لأن كلاًّ من الأمرين في أحق مواضعه:{لقد جآءك الحق} أي الثابت الكامل ثباته وهو إمضاء العدل فيهم؛ وزاده تشريفاً وترغيباً فيه بقوله:{من ربك} أي المحسن إليك باصطفائك لذلك، فلذا سيق مساق البيان له من غير واو، فإذا ثبت أنه الحق أي الثابت أعلى الثبات تسبب عنه البعد من تزلزل من جاءه، فناسب اتباعه بقوله:{فلا تكونن} أكده لأنه حقيق بأن لا ينثني عنه أحد بوجه من الوجوه {من الممترين} أي الغافلين عن آيات الله فتطلب الفضل لأهل العدل؛ قال ابن عباس رضي الله عنهما: لا والله! ما شك طرفة عين ولا سأل أحداً منهم.
ولما نهى عن ذلك لم يبق مما اقتضته القسمة العقلية إلاّ العناد ممن يمكن منه كما فعل بنو إسرائيل بعد مجيء العلم فأتبعه النهي عن مثل حالهم بقوله:{ولا تكونن} أي بوجه من الوجوه، والمراد بهذا أتباعه {من الذين كذبوا} أي فعلوا فعل المكذب مستهينين {بآيات الله} أي التي لا أعظم منها بإضافتها إلى من لا أعظم منه {فتكون} أي كوناً راسخاً {من الخاسرين} بل اثبت على ما أنت عليه من اليقين والطمأنينة والثقة بالله والسكينة، وهذا ونحوه مما غلظت فيه العبارة دلالة على مزيد قرب المخاطب وإن كان المراد غيره وعظيم منزلته ولطيف خصوصيته كما مضى بيانه عن الإمام أبي الحسن الحرالي رحمه الله في سورة براءة عند قوله تعالى {عفا الله عنك}[براءة: ٤٣]- الآية، وتغليظ