لأن الغفران لا يحصل بالطلب إلا إن اقترن بها، هذا الشأن في كل كبيرة من أنها لا تكفر إلا بالتوبة، وذلك لأن الطاعة المفعولة بعدها يكون مثلها كبيرة في جنس الطاعات كما أن تلك كبيرة في جنس المعاصي فلا تقوى الطاعة على محوها وتكرر الطاعات يقابله تكرر المعاصي بالإصرار الذي هو بمنزلة تكرير المعصية في كل حال، فلما رأوه لا ينزع عنهم ولم يقدروا لكلامه على جواب، أيأسوه من الرجوع إليه بأن أنزلوا أنفسهم عناداً في الفهم لهذا الكلام الواضح جداً إلى عداد البهائم، وهددوه فأخبر تعالى عنهم بذلك استئنافاً في جواب من يقول: ما قالوا بعد هذا الدعاء الحسن؟ بقوله:{قالوا يا شعيب} منادين له باسمه جفاء وغلظة {ما نفقه} أي الآن لأن «ما» تخص بالحال {كثيراً مما تقول} وإذا لم يفهم الكثير من الكلام لم يفهم مقصوده، يعنون: خفض عليك واترك كلامك فإنا لا نفهمه تهاوناً به كما يقول الإنسان لخصمه إذا نسبه إلى الهذيان: أنا لا أدري ما تقول، ولما كان غرضهم مع العناد قطع الأمر، خصواً عدم الفهم بالكثير ليكون أقرب إلى الإمكان، وكأنهم - والله أعلم - أشاروا إلى أنه كلام غير منتظم فلا حاصل له ولا لمضمونه وجود في الخارج.
ولما كان في ذلك إشارة إلى أنه ضعيف العقل لأن كلامة مثل كلام المجانين،