حقيقة الكذب كانت مجهولة فلم تعرف إلا بوصف ألسنتهم لها، فهو مبالغة في وصف كلامهم بالكذب، وما بعده مقول القول.
ولما كانوا - كما تقدم يدعون أنهم أعقل الناس، فكان اللائق بهم إرخاءً للعنان النسبة إلى معرفة اللوازم عند الإقدام على الملزومات، قال تعالى:{لتفتروا على الله} أي الملك الأعلى {الكذب} لأن من قال على أحد ما لم يأذن فيه كان قوله كذباً، وكان كذبه لقصد افتراء الكذب، وإلا لكان في غاية الجهل، فدار أمرهم في مثل هذا بين الغباوة المفرطة أو قصد ما لا يقصده عاقل، وهذا باب من التهكم عجيب، فكأنه قيل: فما يستحقون على ذلك؟ فأجاب بقوله تعالى:{إن الذين يفترون} أي يقتطعون عمداً {على الله} أي الذي له الأمر كله {الكذب} منكم ومن غيركم {لا يفلحون *} .
ولما كان الفلاح عندهم هو العيش الواسع في هذه الدنيا، أجاب من كأنه قال: فإنا ننظرهم بنعمة ورفاهة؟ فقال تعالى:{متاع قليل} أي ما هم فيه لفنائه وإن امتد ألف عام {ولهم} بعده {عذاب أليم *} ومن ألمه العظيم دوامه فأيّ متاع هذا.
ولما بين لهم نعمته بتوسعته عليهم بما ضيقوا به على أنفسهم، بين لهم نعمة أخرى بتمييزهم على بني إسرائيل فقال تعالى: