فاشكروا الله اقتداء به ليزيدكم، فكأنه قيل: فما أثابه على ذلك؟ أو علل ما قبل، فقال تعالى:{اجتباه} أي اختاره اختياراً تاماً {وهداه} أي بالبيان الأعظم والتوفيق الأكمل {إلى صراط مستقيم *} وهو الحنيفية السمحة، فكان ممن يأمر بالعدل وهو على صراط مستقيم، وكان مخالفاً للأبكم الموصوف في المثل السابق؛ ثم قال:{وءاتيناه} أي بما لنا من العظمة {في الدنيا} بلسان الصدق والثناء الجميل الذي ذللنا له ألسنة الخلق {حسنة} ونبه بالتعبير عن المعطي بنون العظمة على جلالته حيث جعله إماماً معظماً لجميع أهل الملل، فجمع القلوب على محبته، وجعل له فيهم لسان صدق، ورزقه في أولاده من النبوة والصلاح والملك والكثرة ما هو مشهور.
ولما كانت عظمة الدنيا لا تعتبر إلا مقرونة بنعمة الآخرة، قال تعالى:{وإنه في الآخرة} وقال تعالى -: {لمن الصالحين *} أي له ما لهم من الثواب العظيم - معبراً ب «من» تعظيماً لمقام الصلاح وترغيباً فيه.
ولما قرر من عظمته في الدنيا والآخرة ما هو داعٍ إلى اتباعه، صرح بالأمر به تنبيهاً على زيادة عظمته بأمر متباعد في الرتبة على سائر النعوت التي أثنى عليه بها، وذلك كونه صار مقتدي لأفضل ولد آدم، مشيراً إلى ذلك بحرف التراخي الدال على علو رتبته بعلو رتبة من أمر باتباعه فيما مهده مما أمر به من التوحيد والطريق الواضح