والأجسام كما هي، فكانت بذلك النفس الإنسانية أشرف نفوس هذا العالم، وبدنه كذلك باختصاصه باعتدال القامة وامتدادها والتناول باليد وغير ذلك، فقال تعالى عاطفاً على ما يرشد إليه السياق من مثل أن يقال: فلقد كرمناكم بذلك من إزجاء الفلك وإنجائكم في وقت الشدائد، أو على: ولقد فضلنا: {ولقد كرمنا} أي بعظمتنا تكريماً عظيماً {بني ءادم} أي على سائر الطين بالنمو، وعلى سائر النامي بالحياة، وعلى سائر الحيوان بالنطق، فكان حذف متعلق التكريم دالاً على عمومه لجميع الخلق، وذلك كله تقديراً للقدرة على البعث {وحملناهم في البر} على الدواب وغيرها {والبحر} على السفن وغيرها {ورزقناهم} أي رزقاً يناسب عظمتنا {من الطيبات} أي المستلذات من الثمرات والأقوات التي يأكل غيرهم من الحيوان قشّها {وفضلناهم} في أنفسهم بإحسان الشكل، وفي صفاتهم بالعلم المنتج لسعادة الدارين، وفي رزقنا لهم بما تقدم.
ولما حذف متعلق التكريم دلالة على التعميم، وكان أغلب أفراده ضالاً، قال لذلك:{على كثير ممن خلقنا} أي بعظمتنا التي خلقناهم بها وأكد الفعل بالمصدر إشارة إلى إعراقهم في الفضيلة فقال تعالى: {تفضيلاً *} هذا ما للمجموع، وأما الخلص فهم أفضل الخلائق لما علمنا من معالجتهم بالإخلاص وجهادهم لأهويتهم، لما طبعت عليه نفوسهم من النقائص،