البشر كما هو مقتضى الحكمة، لأن رسول كل جنس ينبغي أن يكون منهم، إذ الشيء عن شكله أفهم، وبه آنس، وإليه أحسن، وله آلف، إلا من فضله بتغليب نفسه وعقله على شهوته فأقدره بذلك على التلقي من الملك.
ولما نصب البرهان القاطع على أن القرآن الموحى إليه من عند الله، ونفى شبهتهم في إنكار كون الرسول بشراً، بأنه ما خرج عن عادة من قبله ممن كانوا مقرين بأنهم أنبياء، وبأن الجنس لا يفهم عن جنس آخر، فالبشر لا يفهم عن الملك إلا بخارقة، ولا يكون ذلك إلا للرسل ومن أراد الله من أتباعهم، لم يبق إلا محض العناد الذي لا رجوع فيه إلا إلى السيف عند القدرة، وإلى الله عند فقدها، وكان في مكة المشرفة غير قادر على السيف، أمره الله تعالى بالرجوع إلى السيف فقال تعالى:{قل كفى بالله} أي المحيط بكل شيء قدرة وعلماً {شهيداً} أي فيصلاً يكون {بيني وبينكم} يعامل كلاًّ منا بما يستحق؛ ثم علل كفايته لذلك بقوله تعالى:{إنه كان بعباده} قبل أن يخلقهم {خبيراً} بما يؤول إليه أمرهم بعد إيجاده لهم {بصيراً *} بما يكون منهم بعد وجوده.
ولما تقدم أنه سبحانه وتعالى أعلم بالمهتدي والضال، وكان ختم هذه الآية مرشداً إلى أن المعنى: فمن علم منه بجوابه قابلية للخير وفقه للعمل على تلك المشاكلة، ومن علم منه قابلية للشر أضله، عطف