يدوم سروره، ويبقى نعيمه وحبوره، وذلك المثل {كماء أنزلناه} بعظمتنا واقتدارنا بعد يبس الأرض وجفاف ما فيها وزواله، وبقلعه كما تشاهدونه واستئصاله، وقال:{من السماء} تنبيهاً على بليغ القدرة في إمساكه في العلو وإنزاله في وقت الحاجة على الوجه النافع {فاختلط} أي فتعقب وتسبب عن إنزاله أنه اختلط {به نبات الأرض} أي التراب الذي كان نباتاً ارفت بطول العهد في بطنها، فاجتمع بالماء والتفّ وتكاثف، فهيأناه بالتخمير والصنع الذي لا يقدر عليه سوانا حتى أخرجناه من الأرض أخضر يهتز على ألوان مختلفة ومقادير متفاوتة ثم أيبسناه {فأصبح هشيماً} أي يابساً مكسراً مفتتاً {تذروه} أي تثيره وتفرقه وتذهب به {الرياح} حتى يصير عما قليل كأنه بقدرة الله تعالى لم يكن {وكان الله} أي المختص بصفات الكمال {على كل شيء} من ذلك وغيره إنشاء وإفناء وإعادة {مقتدراً *} أزلاً وأبداً، فلا تظنوا أن ما تشاهدونه من قدرته حادث.
ولما تبين بهذين المثلين وغيرهما أن الدينا - التي أوردت أهلها الموارد وأحلتهم أودية المعاطب - سريعة الزوال، وشيكة الارتحال،