{تذكرة} أي تذكيراً عظيماً {لمن يخشى*} ممن أشرنا في آخر التي قبلها إلى بشارته إيماء إلى أنه سيكون فيهم من المتقين من تناسب كثرته إعجاز هذا القرآن ودوامه، وما فيه من الجمع المشار إليه بالتعبير بالقرآن لجميع ما في الكتب السالفة من الأحكام أصولاً وفروعاً، والمواعظ والرقائق، والمعارف والآداب، وأخبار الأولين والآخرين، ومصالح الدارين، وزيادته عليها بما شاء الله، لأن كثرة الأمة على قدر جلالة الكتاب، والتعبير عن «لكن» بالإشارة إلى أنه يمكن أن يكون من باب:
ولاعيب فيهم غير أن سيوفهم ... بهن فلول من قراع الكتائب
وأشار بالمصدر الجاري على غير الفعل في قوله:{تنزيلاً} إلى أنه يتمهل عليهم ترفقاً بهم، ولا ينزل هذا القرآن إلا تدريجاً، إزالة لشبههم، وشرحاً لصدورهم، وتسكيناً لنفوسهم، ومداً لمدة البركة فيهم بتردد الملائكة الكرام إليهم، كما أنه لم يهلكهم بمعاصيهم اكتفاء ببينة ما في الصحف الأولى، بل أرسل إليهم رسولاً لئلا يقولوا: ربنا لولا - كما اقتضته حكمته وتمت به كلمته، ولما كان رجوعهم إلى الدين على ما يشاهد منهم من الشدة والأنفة والشماخة التي سماهم الله بها قوماً لدّاً في غاية البعد، شرع سبحانه يذكر بقدرته إشارة إلى أن القلوب بيده يقلبها كيف شاء كما صورها كيف شاء، وأن شأنه الرفق والأناة، فقال ملتفتاً من التكلم إلى الغيبة ليدل على ما اقتضته النون من العظمة