أمر، وحاصل ذلك أنه لما ذكر سبحانه هذا الكتاب وأكد أمره مراراً وكان ناسخاً لفروع شريعتهم ولا سيما ما فيها من الآصار والأغلال أشار سبحانه إلى أن من أعظم ضلالهم وغيهم ومحالهم، ادعاؤهم أن النسخ لا يجوز على الله، فمنعوا من {لا يسأل عما يفعل}[الأنبياء: ٢٣] مما هو موجود في كتابهم كما أمر آنفاً، ومما سوغوه لأنفسهم بالتحريف والتبديل، ولزم من ذلك تكذيب كل رسول أتاهم بما لا تهوى أنفسهم، وفعلوا خلاف حال المؤمنين المصدقين بما أنزل إلى نبيهم وما أنزل إلى غيره، وضمن ذلك عيبهم بالقدح في الدين بالأمر بالشيء اليوم والنهي عنه غداً، وأنه لو كان من عند الله لما تغير لأنه عالم بالعواقب، ولا يخلو إما أن يعلم أن الأمر بذلك الشيء مصلحة فلا ينهى عنه بعدُ، أو مفسدة فلا يأمر به اليوم، جوابهم عن ذلك معرضاً عن خطابهم تعريضاً بغباوتهم إلى خطاب أعلم الخلق بقوله:{ألم تعلم أن الله} أي الحائز لجميع أوصاف الكمال {على كل شيء قدير} على وجه الاستفهام المتضمن للإنكار والتقرير المشار فيه للتوعد والتهديد، فيخلق بقدرته من الأسباب ما يصير الشيء في وقت مصلحة وفي وقت آخر مفسدة لحكم ومصالح دبرها لتصرم هذا العالم.