من الجن والأنس وغيرهم، طائعهم بالثواب، وعاصيهم بتأخير العقاب، الذي كنا نستأصل به الأمم، فنحن نمهلهم ونترفق بهم، إظهاراً لشرفك وإعلاء لقدرك، حتى نبين أنهم مع كثرتهم وقوتهم وشوكتهم وشدة تمالئهم عليك لا يصلون إلى ما يريدون منك، ثم نرد كثيراً منهم إلى دينك، ونجعلهم من أكابر أنصارك وأعاظم أعوانك، بعد طول ارتكابهم الضلال، وارتباكهم في أشراك المحال، وإيضاعهم في الجدال والمحال، فيلعم قطعاً أنه لا ناصر لك إلا الله الذي يعلم القول في السماء والأرض، ومن أعظم ما يظهر فيه هذا الشرف في عموم الرحمة وقت الشفاعة العظمى يوم يجمع الأولون والآخرون، وتقوم الملائكة صفوفاً والثقلان وسطهم، ويموج بعضهم في بعض من شدة ما هم فيه، يطلبون من يشفع لهم في أن يحاسبوا ليستريحوا من ذلك الكرب أما إلى جنة أو نار، فيقصدون أكابر الأنبياء نبياً نبياً عليهم الصلاة والسلام، والتحية والإكرام، فيحيل بعضهم على بعض، وكل منهم يقول: لست لها، حتى يأتوه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فيقول: أنا لها، ويقوم ومعه لواء الحمد فيشفعه الله وهو المقام المحمود الذي يغبطه به الأولون والآخرون وقد سبقت أكثر الحديث بذلك في سورة غافر عند {ولا شفيع يطاع}[الآية: ١٨] .