والبلغاء والخطباء، وهو أكثر منه مالاً، وأعظم أعواناً، فلا يقدرون.
ولما رموه بهذه الأقوال التي هم فيها في خبط عشواء، وكانت مع كونها ظاهرة العوار، عند من له أدنى استبصار، تروج على بعض العرب بعض الرواج، مع سعة عقولهم، وصحة أفكارهم، لشبه واهية مكنهم فيها التقليد، وشدة الالف لما هم عليه من الزمن المديد، أمره سبحانه بجوابهم مستأنفاً فقال:{قل} أي دالاً على بطلان ما قالوه مهدداً لهم: {أنزله} أي القرآن من خزائن علمه خلافاً لجميع ما تقولتموه {الذي يعلم السر} أي كله، لا يخفى عليه منه خافية فكيف بالجهر! {في السماوات والأرض} فهو يجيبكم عن كل ما تقولتموه فيّ وفي كتابه وإن أسررتموه، ويبين جميع ما يحتاج إليه العباد في الدارين في كلام معجز لفظاً ومعنى على وجه يتحقق كل ذي لب أنه لا يقوله إلا عالم بجميع المعلومات، ولا يحيط بجميع المعلومات سواه، وهذا ظاهر جداً من إخباره بالماضي بما يصدقه العلماء من الماضين، وحكمه على الآتي بما يكون ضربة لازم، وإظهاره الخبء وإحكامه لجميع ما يقوله، وقد جرت عادته سبحانه وتعالى بالانتقام ممن كذب عليه بإظهار كذبه أولاً، ثم بأخذه ثانياً، ثم عذابه العذاب الأكبر ثالثاً، فستنظرون من يفعل به ذلك، وقد بان لعمري صدقه لما