كانوا إلى تعليم ما ذكر أحوج منهم إلى التزكية فإن أصلها موجود بالإسلام فأخر قوله:{ويزكيهم} أي يطهر قلوبهم بما أوتي من دقائق الحكمة، فترتقي بصفائها، ولطفها من ذروة الدين إلى محل يؤمن عليها فيه أن ترتد على أدبارها وتحرف كتابها كما فعل من تقدمها، والتزكية إكساب الزكاة، وهي نماء النفس بما هو لها بمنزلة الغذاء للجسم - قاله الحرالي.
ولما ذكر سبحانه في سورة الجمعة بعثه في الأميين عامة اقتضى المقام تقديم التزكية التي رأسها البراءة من الشرك الأكبر ليقبلوا ما جاءهم من العلم، وأما تقديمها في آل عمران مع ذكر البعث للمؤمنين فلاقتضاء الحال بالمعاتبة على الإقبال على الغنائم الذي كان سبب الهزيمة لكونها إقبالاً على الدنيا التي هي أم الأدناس؛ ثم علل ذلك بقوله:{إنك أنت العزيز} أي الذي يغلب كل شيء ولا يغالبه شيء، لأن العزة كما قال الحرالي: الغلبة الآتية على كلية الظاهر والباطن، {الحكيم} أي الذي يتيقن ما أراد فلا يتأتى نقضه، ولا متصف بشيء من ذلك غيرك؛ وفي ذلك إظهار عظيم لشرف العلم وطهارة الأخلاق، وأن ذلك لا ينال إلا بمجاهدات لا يطيقها البشر ولا تدرك أصلاً إلا بجد تطهّره العزة