ولما كانوا يمرون عليها في أسفارهم، وكان من حقهم أن أن يتعظوا بحالهم، فيرجعوا عن ضلالهم، تسبب عن ذلك استحقاقهم للإنكار الشديد في قوله:{أفلم يكونوا} أي بما في جبلاتهم من الأخلاق العالية {يرونها} أي في أسفارهم إلى الشام ليعتبروا بما حل بأهلها من عذاب الله فيتوبوا.
ولما كان التقدير: بل رأوها، أضرب عنه بقوله:{بل} أي لم يكن تكذيبهم بسبب عدم رؤيتها وعدم علمهم بما حل بأهلها، بل بسبب أنهم {كانوا} يكذبون بالقيامة كأنه لهم طبع.
ولما كان عود الإنسان إلى ما كان من صحته محبوباً له، كان ينبغي لهم لو عقلوا أن يعلقوا رجاءهم بالبعث لأنه لا رجوع إلى الحياة، فهو كرجوع المريض لا سيما المدنف إلى الصحة، فلذلك قال معبراً بالرجاء تنبيهاً على هذا:{لا يرجون نشوراً*} بعد الموت ليخافوا الله عز وجل فيخلصوا له فيجازيهم على ذلك، لأنه استقر في أنفسهم اعتقادهم التكذيب بالآخرة، واستمروا عليه قرناً بعد قرن حتى تمكن تمكناً لا ينفع معه الاعتبار إلا لمن شاء الله.