للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

تمتيعاً هو في غاية السهولة عندنا، وصوره بصورة الكائن تنديماً عليه، والمعنى أنه ما أغنى عنهم شيئاً لأن عاقبته الهلاك، وزادهم بعداً من الله وعذابه بزيادة الآثام الموجبة لشديد الانتقام.

ولما كان التقدير: لم يغن عنهم شيئاً لأنهم ما أخذوا إلا بعد إنذار المنذرين، لمشافهتك إياهم به، وسماعهم لمثل ذلك عمن مضى قبلهم من الرسل، عطف عليه قوله: {وما أهلكنا} أي بعظمتنا، واعلم بالاستغراق بقوله: {من قرية} أي من القرى السالفة، بعذاب الاستئصال {إلا لها منذرون*} رسولهم ومن تبعه من أمته ومن سمعوا من الرسل بأخبارهم مع أممهم من قبل، وأعراها من الواو لأن الحال لم يقتض التأكيد كما في الحجر، لأن المنذرين مشاهدون. وإذا تأملت آيات الموضعين ظهر لك ذلك؛ ثم علل الإنذار بقوله: {ذكرى} أي تنبيهاً عظيماً على ما فيه من النجاة، وتذكيراً بأشياء يعرفونها بما أدت إليه فطر عقولهم، وقادت إليه بصائر قلوبهم، وجعل المنذرين نفس الذكرى كما قال تعالى {قد أنزل الله إليكم ذكراً رسولاً} [الطلاق: ١٠] وذلك إشارة إلى إمعانهم في التذكير حتى صاروا إياه.

ولما كان التقدير: فما أهلكنا قرية منها إلا بالحق، عطف عليه قوله: {وما كنا} أو الواو للحال من نون {أهلكنا} {ظالمين*} أي في إهلاك شيء منها لأنهم كفروا نعمتنا، وعبدوا غيرنا، بعد الإعذار إليهم، ومتابعة الحجج، ومواصلة الوعيد.

ولما أخبر سبحانه أن غاية إنزال هذا القرآن كونه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من المنذرين، وأتبع ذلك ما لاءمه حتى ختم بإهلاك من كذب المنذرين، عطف على قوله: {نزل به الروح} قوله إعلاماً بأن العناية شديدة في هذا السياق بالقرآن لتقرير أنه من عند الله ونفى اللبس عنه بقوله: {وما تنزلت به} أي القرآن {الشياطين*} أي ليكون سحراً أو كهانة أو شعراً أو أضغاث أحلام كما يقولون.

<<  <  ج: ص:  >  >>