وكان الظالم إلى الحكمة أحوج منه إلى مطلق العلم، وقدم في هذه أنه هدى، وكان الهادي لا يقتدي به ولا يوثق بهدايته إلا إن كان في علمه حكيماً، اقتضى السياق تقديم وصف الحكمة، واقتضى الحال التنكير لمزيد التعظيم فقال:{حكيم} أي بالغ الحكمة، فلا شيء من أفعاله إلا وهو في غاية الإتقان {عليم*} أي عظيم العلم واسعه تامة شاملة، فهو بعيد جداً عما ادعوه فيه من أنه كلام الخلق الذي لا علم لهم ولا حكمة إلا ما آتاهم الله، ومصداق ذل عجز جميع الخلق عن الإتيان بشيء من مثله، وإدراك شيء من مغازيه حق إدراكه.
ولما وصفه بتمام الحكمة وشمول العلم، دل على كل من الوصفين، وعلى إبانه القرآن وما له من العظمة التي أشار إليها أول السورة بما يأتي في السورة من القصص وغيرها، واقتصر في هذه السورة على هذه القصص لما بينها من عظيم التناسب المناسب لمقصود السورة، فابتدىء بقصة أطبق فيها الأباعد على الكفران فأهلكوا، والأقارب على الإيمان فأنجوا، وثنى بقصة أجمع فيها الأباعد على الإيمان، لم يتخلف منهم إنسان، وثلث بأخرى حصل بين الأقارب فيها الفرقان، باقتسام الكفر والإيمان، وختم بقصة تمالأ الأباعد فيها على العصيان، وأصروا على الكفران،