ولما كانت عنايته بالله أتم لما له من عظيم المراقبة، قال مقدماً له:{ربي} أي المحسن إليّ بعظيم التربية في الأمور المهلكة {أن يهديني سواء} أي عدل ووسط {السبيل*} وهو الطريق الذي يطلعه عليها من غير اعوجاج.
ولما كان التقدير: فوصل إلى المدينة، بنى عليه قوله:{ولما ورد} أي حضر موسى عليه الصلاة والسلام حضور من يشرب {ماء مدين} أي الذي يستقي منها الرعاء {وجد عليه} أي على الماء {أمة} أي جماعة كثيرة هم أهل لأن يَقْصُدوا ويُقصَدوا، فلذلك هم عالون غالبون على الماء؛ ثم بين نوعهم بقوله:{من الناس} وبين عملهم أيضاً بقوله: {يسقون*} أي مواشيهم، وحذف المفعول لأنه غير مراد، والمراد الفعل، وكذا ما بعده فإن رحمته عليه الصلاة والسلام لم تكن لكون المذود والمسقي غنماً بل مطلق الذياد وترك السقي {ووجد من دونهم} أي وجداناً مبتدئاً من أدنى مكان من مكانهم الآتي إلى الماء {امرأتين} عبر بذلك لما جعل لهما سبحانه من المروءة ومكارم الأخلاق كما يعلمه من أمعن النظر فيما يذكر عنها {تذودان} أي توجدان الذود، وهو الكف والمنع والطرد وارتكاب أخف