{يشركون*} فصح أنهم لا يعلمون، لأنهم لا يعقلون، حيث يقرون بعجز آلهتهم ويشركونها معه، ففي ذلك أعظم التهكم بهم؛ قال البغوي: قال عكرمة: كانوا إذا ركبوا البحر حملوا معهم الأصنام، فإذا اشتدت بهم الريح ألقوها في البحر وقالوا يا رب! يا رب.
وقال الرازي في اللوامع: وهذا دليل على أن معرفة الرب في فطرة كل إنسان، وأنهم إن غفلوا في السراء فلا شك أنهم يلوذون إليه في حال الضراء - انتهى. فعلم أن الاشتغال بالدنيا هو الصادّ عن كل خير وأن الانقطاع عنها معين للفطرة الأولى المستقيمة، ولهذا نجد الفقراء أقرب إلى كل خير.
ولما كانوا مع هذا الفعل - الذي لا يفعله إلا مسلوب العقل - يدعون أنهم أعقل الناس وأبصرهم بلوازم الأفعال وما يشين الرجال، وكان فعلهم هذا كفراً للنعمة، مع ادعائهم أنهم أشكرالناس للمعروف، قال مبيناً أن عادتهم مخالفة لعادة المؤمنين في جعلهم نعمة النجاة سبباً لزيادة طاعاتهم، فعلم أنه ما كان إخلاصهم في البحر إلا صورة لا حقيقة لها:{ليكفروا بما آتيناهم} على عظمتنا من هذه النعمة التي يكفي في عظمتها أنه لا يمكن غيرنا أن يفعلها ما أشركوا إلا لأجل هذا الكفر، وإلا لكانوا فاعلين لشيء من غير قصد، فيكون ذلك فعل من لا عقل له أصلاً وهم يحاشون عن مثل ذلك {وليتمتعوا} بما يجتمعون