العارف بالشيء هو الذي كان له به إدراك ظاهر بأدلة ثم أنكره لاشتباهه عليه ثم عرفه لتحقق ذكره لما تقدم من ظهوره في إدراكه، فلذلك معنى المعرفة لتعلقها بالحس وعيان القلب أتم من العلم المأخوذ عن علم بالفكر؛ وإنما لم تجز في أوصاف الحق لما في معناها من شرط النكرة، ولذلك يقال المعرفة حد بين علمين: علم على تشهد الأشياء ببواديها، وعلم دون يستدل على الأشياء بأعلامها؛ وفيه أي التشبيه بالأبناء إنباء باتصال معرفتهم به كياناً كياناً إلى ظهوره، ولو لم يكن شاهده عليهم إلا ارتحالهم من بلادهم من الشام إلى محل الشدائد من أرض الحجاز لارتقابه وانتظاره
{فلما جاءهم ما عرفوا كفروا به}[البقرة: ٨٩] وأجرى المثل بذكر الأبناء لاشتداد عناية الوالد بابنه لاعتلاقه بفؤاده، ففيه إنباء بشدة اعتلاقهم به قبل كونه {وإن فريقاً منهم} أي أهل الكتاب {ليكتمون الحق} أي يخفونه ولا يعلنونه.
ولما كان لا يلزم من ذلك علمهم به ولا يلزم من علمهم به استحضاره عند الكتمان قال:{وهم يعلمون} أي إنه حق وأنهم آثمون بكتمانه، فجعلهم أصنافاً: صنفاً عرفوه فاتبعوه، وصنفاً عرفوه فأنكروه كما في إفهامه