محمداً صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذا النسب العالي والمنصب المنيف في كل خلق شريف بالرسالة من بين قريش وإن لم يكن من أهل الدنيا المتعظمين بها، قال ابن ميلق: من حكمته سبحانه أن يجمع بين أثرى عدله وفضله، وأن يعاقب بينهما في الظهور فيذل ويعز ويفقر ويغني ويسقم ويشفي ويفني ويبقي إلى غير ذلك، فما من سابق عدل إلا له لاحق فضل، ولا سابق فضل إلا له لاحق عدل، غير أن أثر العدل والفضل قد يتعلق بالبواطن خاصة، وقد يتعلق أحدهما بالظاهر والآخر بالباطن، وقد يكون اختلاف تعلقمها في حالة واحدة، وقد يكون على البدل، وعلى قدر تعلق الأثر السابق يكون تعلق الأثر اللاحق.
ولما كانت الحكمة قاضية بذلك، أجرى الله سبحانه آثار عدله على ظواهر أصفيائه دون بواطنهم، ثم عقبت ذلك بإيراد آثار فضله على بواطنهم وظواهرهم حتى صار من قاعدة الحكمة الإلهية تفويض ممالك الأرض للمستضعفين فيها كالنجاشي حيث بيع في صغره، وذلك كثير موجود بالاستقراء، فمن كمال تربية الحكيم لمن يريد إعلاء شأنه أن يجري على ظاهره من أثر العدل ما فيه تكميل لهم وتنوير لمداركهم وتطهير لوجودهم وتهذيب وتأديب - إلى غير ذلك من فؤائد التربية، ومن تتبع أحوال الأكابر من آدم عليه السلام وهلم جراً رأى من حسن