الأعظم الدال على جميع صفات الكمال، وزاد رغباً بالوصف الذي لا وصف أجلّ منه فقال:{المخلصين *} .
ولما خلصهم منهم، ذكر ما لهم فقال معظماً لهم بأداة البعد:{أولئك} أي العالو القدر بما صفوا أنفسهم عن أكدار الأهوية {لهم رزق معلوم} أي يعلمون غائبه وكائنه وآتيه وطعمه ونفعه وقدره وغبّه وجميع ما يمكن علمه من أموره، وليسوا مثل ما هم عليه في هذه الدار من كدر الأخطار {لا تدري نفس ماذا تكسب غداً} لأن النفس إلى المعلوم أسكن، وبالأنس إليه أمكن.
ولما كان أهل الجنة لا يأكلون تقوتأً واحتياجاً، بل تنعماً والتذاذاً وابتهاجاً، لأن أجسامهم محكمة مخلوقة للأبد، فهي غير محتاجة إلى حفظ الصحة قال:{فواكه} أي يتنعمون بها بما كدروا من عيشهم في الدنيا. ولما كان الذي هو نعيم الجسم لا يحمد غاية الحمد إلا مع العز الذي هو غذاء الروح قال:{وهم مكرمون *} بناه للمفعول إشارة إلى أن وجود إكرامهم من كل شيء أمر حتم لا يكون غيره أصلاً.
ولما كان الإكرام لا يتم إلا مع طيب المقام قال:{في جنات النعيم *} أي التي لا يتصور فيها غيره.
ولما كان التلذذ لا يكمل إلا مع الأحباب، وكانت عادة الملوك الاختصاص بالمحل الأعلى، بين أنهم كلهم ملوك فقال:{على سرر متقابلين *} أي ليس فيهم أحد وجهه إلى غير وجه