من الأقوات ليتم بذكر النماءين نماء الذوات ظاهرها البدني وباطنها الديني، لما بين تغذي الأبدان وقوام الأديان من التعاون على جمع أمري صلاح العمل ظاهراً وقبوله باطناً، قال عليه الصلاة والسلام:«لا يقبل الله عملاً إلا بالورع الشافي» ؛ وكما قيل: ملاك الدين الورع، وهلاكه الترف، ونقصه السرف؛ فكما انتظم الكتاب قصر الخلق على أفضل متصرفاتهم في التدين اتصل به قصرهم على أفضل مأكلهم في التقوت، ولما ذكر الدين في رتبتي صنفين من الناس والذين آمنوا انتظم به ذكر المأكل في صنفيهما فقال {يا أيها الناس} فانتظم بخطاب قوله تعالى {يا أيها الناس اعبدوا ربكم} لما بين العبادة والمأكل من الالتزام - انتهى.
ولما كانت رتبة الناس من أدنى المراتب في خطابهم أطلق لهم الإذن تلطفاً بهم ولم يفجأهم بالتقييد فقال مبيحاً لهم ما أنعم به عليهم {كلوا} ولما كان في الأرض ما لا يؤكل قال: {مما في الأرض} أي مما بينا لكم أنه من أدلة الوحدانية.
ولما كان في هذا الإذن تنبيه على أن الكل له والانتفاع به يتوقف على إذن منه دلهم على أن فيه ما أباحه وفيه ما حظره فقال:{حلالاً} قال الحرالي: وهو ما انتفى