ولما كان للعلم الذي أراد الله إظهاره في هذا الوجود طريقان: حال ومقال، فأما الحال فهو ما تنطق به أحوال الموجودات التي أبدعها سبحانه في هذا الكون من علوم يدرك منها من أراد الله ما أراد، وأما المقال فهو هذا الذكر الذي هو ترجمة عن جميع الوجود، وكان سبحانه قد قدم الذكر لأنه أبين وأظهر، وأخبر أنهم أعرضوا عنه وشاققوه، وكان من شاقق الملك استحق الهلاك، وكان ما أبدوه من المغالبة أمراً غائظاً للمؤمنين، أتبعه ما يصلح لتخويف الكافرين وترجية المؤمنين مما أفصح به لسان الحال من إهلاك المنذرين، وهو أبين ما يكون من دلالاته، وأظهر ما يوجد من آياته، فقال استئنافاً:{كم أهلكنا} وكأن المنادين بما يذكر كانوا بعض المهلكين، وكانوا أقرب المهلكين إليهم في الزمان، فأدخل الجار لذلك، فقال دالاً على ابتداء الإهلاك:{من قبلهم} وأكد كثرتهم بقوله مميزاً: {من قرن} أي كانوا في شقاق مثل شقاقهم، لأنهم كانوا في نهاية الصلابة والحدة والمنعة - بما دل عليه «قرن» .
ولما تسبب عن مسهم بالعذاب دلهم قال جامعاً على معنى «قرن» لأنه أدل على عظمة الإهلاك: {فنادوا} أي بما كان يقال لهم: إنه سبب للنجاة من الإيمان والتوبة، واستعانوا بمن ينقذهم، أو فعلوا النداء