ولما تمت النعمة، سبب عنها قوله:{فاحكم بين الناس} أي الذين يتحاكمون إليك من أي قوم كانوا {بالحق} أي الأمر الثابت الذي يطابقه الواقع. ولما كان أعدى عدو للإنسان نفسه التي بين جنبيه لما لها من الشهوات، وأعظم جناياته وأقبح خطاياه ما تأثر عنها من غير استناد إلى أمر الله، مشيراً بصيغة الافتعال إلى أنه سبحانه عفا الخطرات، وما بادر الإنسان الرجوع عنه والخلاص منه توبة إلى الله تعالى:{ولا تتبع الهوى} أي ما يهوى بصاحبه فيسقطه من أوج الرضوان إلى حضيض الشيطان، ثم سبب عنه قوله:{فيضلك} أي ذلك الاتباع أو الهوى لأن النفس إذا ضربت على ذلك صار لها خلقاً فغلب صاحبها عن ردها عنه، ولفت القول عن مظهر العظمة إلى الاسم الأعظم الجامع لجميع الأسماء الحسنى والصفات العلى تعظيماً لأمر سبيله، وحثاً على لزومه والتشرف بحلوله، فقال:{عن سبيل الله} أي طريقه التي شرعها للوصول إليه بما أنزل من النقل المؤيد بأدلة ما خلق من العقل، ولا يوصل إليه بدونها لأن اتباعه يوجب الانهماك في اللذات الجسمانية، والإهمال لتكميل القوى الروحانية، الموصلة إلى السعادة الأبدية، فإن دواعي البدن والروح متضادتان فبقدر زيادة إحداهما تنقص الأخرى.