ولما حذر سبحانه في هذه السورة ولا سيما في هذه الآيات فطال التحذير، وأودعها من التهديد وصادع الإنذار والوعيد العظيم الكثير، وختم بالحث على الإيمان، والنظر السديد في العرفان، وكانت كثرة الوعيد ربما أيأست ونفرت وأوحشت، وصدت عن العطف وأبعدت، قال تعالى مستعطفاً مترفقاً بالشاردين عن بابه متلطفاً جامعاً بين العاطفين، كلام ذوي النعمة على لسان نبي الرحمة صارفاً القول إلى خطابه بعد أسلوب الغيبة:{قل} أي يا أكرم الخلق وأرحمهم بالعباد، ولفت عما تقتضيه «قل» من الغيبة إلى معنى الخطاب زيادة في الاستعطاف، وزاد في الترفق بذكر العبودية والإضافة إلى ضميره عرياً عن التعظيم فقال:{يا} أي ربكم المحسن إليكم يقول: يا {عبادي} فلذذهم بعد تلك المرارات بحلاوة الإضافة إلى جنابه تقريباً من بابه. ولما أضاف، طمع المطيعون أن يكونوا هم المقصودين، فرفعوا رؤوسهم، ونكس العاصون وقالوا: من نحن حتى يصوب نحونا هذا المقال؟ فقال تعالى جابراً لهم:{الذين أسرفوا} أي تجاوزوا الحد في وضع الأشياء في غير مواضعها حتى صارت لهم أحمال ثقال {على أنفسهم} فأبعدوها عن الحضرات الربانية، وأركسوها في الدنايا الشيطانية، فانقلب الحال، فهؤلاء الذين نكسوا رؤوسهم انتعشوا وزالت ذلتهم والذين رفعوا