فقال:{ورزقكم من الطيبات} الشهية الملائمة للطبائع النافعة على وجه لا احتياج معه بوجه، فلا دليل أدل على تمام العلم وشمول القدرة ووجود الاختيار من هذا التدبير في حفظ المسكن والسقف وتدبير ما به البقاء على وجه يكفي الساكن من جميع الوجوه على مر السنين وتعاقب الأزمان، وبث من الساكن - مع أنه قطعة يسيرة جداً من أديم الأرض - أنسالاً شعبهم شعباً فرعها إلى فروع لا تسعها الأرض، فدبر بحكمته وسعة علمه وقدرته تدبيراً وسع لهم به الأرض، وعمهم به الرزق، كما روى الإمام أحمد في كتاب الزهد عن الحسن أنه قال: لما خلق الله آدم عليه الصلاة والسلام وذريته قالت الملائكة عليهم السلام: إن الأرض لا تسعهم، قال: فإني جاعل موتاً، قالوا: إذا لا يهنأهم العيش، قال: فإني جاعل أملاً.
ولما دل هذا قطعاً على التفرد، قال على وجه الإنتاج:{ذلكم} أي الرفيع الدرجات {الله} أي المالك لجميع الملك، ودلهم على ما مضى بتربيتهم وما فيها من بديع الصنائع فقال:{ربكم} أي لا غيره، ولما أفاد هذا الدليل تربية لا مثل لها، دالة على إحاطة العلم وتمام القدرة على وجه لا حاجة معه مع حسنه وثباته