ولما كان الثبات على التوحيد ومصححاته إلى الممات أمراً في علو رتبته لا يرام إلا بتوفيق ذي الجلال والإكرام، أشار إليه بأداة التراخي فقال:{ثم استقاموا} طلبوا وأوجدوا القوام بالإيمان بجميع الرسل وجميع الكتب ولم يشركوا به صنماً ولا ثناً ولا آدمياً ولا ملكاً ولا كوكباً ولا غير بعبادة ولا رياء، وعملوا بما يرضيه وتجنبوا كل ما يسخطه وإن طال الزمان، امتثالاً لما أمر به أول السورة في قوله {إنما إلهكم إله واحد فاستقيموا إليه} فمن كان له أصل الاستقامة في التوحيد أمن من النار بالخلود، ومن كان له كمال الاستقامة في الأصول والفروع أمن الوعيد {تتنزل} على سبيل التدريج المتصل {عليهم} من حين نفخ الروح فيهم إلى أن يموتوا ثم إلى أن يدخلوا الجنة باطناً فظاهراً {الملائكة} بالتأييد في جميع ما ينوبهم فتستعلي الأحوال الملكية على صفاتهم البشرية وشهواتهم الحيوانية فتضمحل عندها، وتشرق مرائيهم، ثم شرح ما يؤيدونهم به وفسره فقال:{ألا تخافوا} أي من شي مثله يخيف، وكأنهم يثبتون ذلك في قلوبهم {ولا تحزنوا} أي على شيء فاتكم، فإن ما حصل لكم أفضل منه، فأوقاتكم الأخراوية