وقد جهلوا في هذا الكلام عدة جهالات: ادعاء الولدية للغني المطلق، وكون الولد أدنى الصنفين، وعبادتهم لهم مع أنفسهم منهم بغير دليل، واحتياجهم على صحة فعلهم بتقدير علم على ذلك وهو قد نهاهم عنه بلسان كل رسول، وظنهم أنه لا يشاء إلا ما هو الحق المؤدي إلى الجميع بين النقيضين إذ لا ريب فيه ولا خفاء به.
ولما كان الإيمان بالملائكة الذين هم جند الملك من دعائم أصول الدين، وكان الإيمان بالشيء إن لم يكن على ما هو عليه الشيء ولو بأدنى الوجوه كان مختلاً، وأخبر سبحانه أنهم وصفوهم بغير ما هم عليه ففرطوا بوصفهم بالبنات حتى أنزلوهم إلى الحضيض وأفرطوا بالعبادة حتى أعلوهم عن قدرهم فانسلخوا في كلا الأمرين من صريح العقل بما أشار إليه ما مضى، أتبع ذلك أنهم عريئون أيضاً من صحيح النقل، فقال معادلاً لقوله {أشهدوا خلقهم} إنكاراً عليهم بعد إنكار، موجباً ذلك أعظم العار، لافتاً القول عن الوصف بالرحمة تنبيهاً بمظهر العظمة على أن حكمه تعالى متى برز لم يسع سامعة إلا الوقوف عنده والامتثال على كل حال وإلا حل به أعظم النكال:{أم آتيناهم}