ولما وعد سبحانه أنه ينصر من ينصره لأنه مولاه ويدخله دار نعمته، ويخذل من يعانده لأنه عاداه إلى أن يدخله دار شقوته، كان التقدير دليلاً على ذلك: فكأين من قوم هم أضعف من الذين اتبعوك نصرناهم على من كذبهم، فلا خاذل لهم، فعطف عليه قوله:{وكأين} ولما كانت قوة قريش في الحقيقة ببلدهم، وكان الإسناد إليها أدل على تمالؤ أهلها وشدة اتفاقهم حتى كأنهم كالشيء الواحد قال:{من قرية} أي كذبت رسولها {هي أشد قوة} وأكثر عدة {من قريتك} ولما كان إنزال هذه بعد الهجرة، عين فقال:{التي أخرجتك} أي أخرجك أهلها متفقين في أسباب الإخراج من أنواع الأذى على كلمة واحدة حتى كأن قلوبهم قلب واحد فكأنها هي المخرجة - وهي مكة - كذبوك وآذوك حتى أخرجناك من عندهم لننصرك عليهم بمن أيدناك بهم من قريتك هذه التي آوتك من الأنصار نصراً جارياً على ما تألفونه وتعتادونه {أهلكناهم} بعذاب الاستئصال كما اقتضت عظمتنا، وحكى حالهم الماضية بقوله:{فلا ناصر لهم *} .
ولما كان هذا دليلاً شهودياً بعد الأدلة العقلية على ما تقدم الوعد