ولما كان العسل أعزها وأقلها، أخره وإن كان أجلها فقال:{وأنهار من عسل} ولما كان عسل الدنيا لا يوجد إلا مخلوطاً بالشمع وغيره من القذى قال: {مصفى} أي هو صاف صفاء ما اجتهد في تصفيته من ذلك، وهذا الوصف ثابت له دائماً لا انفكاك له عنه في وقت ما، فقد حصل بهذا غاية التشويق إلى الجنة بالتمثيل بما يستلذ به من أشربة الدنيا لأنه غاية ما نعلم من ذلك مجرداً عما ينقصه أو ينغصه مع الوصف بالغزارة والاستمرار قال البغوي: قال كعب الأحبار: نهر دجلة نهر ماء أهل الجنة، ونهر الفرات نهر لبنهم، ونهر مصر نهر خمرهم، ونهر سبحان نهر عسلهم. وهذه الأنهار الأربعة تخرج من نهر الكوثر. وقال ابن عبد لحكم في فتوح مصر: حدثنا عثمان بن صالح ثنا ابن لهيعة عن يزيد بن أبي حبيب أن معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنهما سأل كعب الأحبار رضي الله عنه: هل تجد لهذا النيل في كتاب الله تعالى خبراً؟ قال: أي والذي فلق البحر لموسى، إني لأجده في يكتاب الله أن الله عز وجل يوحي إليه في كل عام مرتين، يوحي إليه عن جريه أن الله يأمرك أن تجري، فيجري ما كتب الله له ثم يوحي إليه بعد ذلك: يا نيل غر حميداً. حدثنا عبد الله بن صالح حدثنا الليث عن يزيد بن أبي حبيب عن أبي الخير