ففهم عن الله مراده في هذه القضية فجرى على أتم ما يرضيه {وعلى المؤمنين} رضي الله تعالى عنهم العريقين في الإيمان لأنهم أتباع رسوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأنصار دينه فألزمهم قبول أمره الذي فهمه عن الله وخفي عن أكثرهم حتى فهمتموه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عند نزول سورة محمد وحماهم عن همزات الشياطين، ولم يدخلهم ما دخل الكفار من الحمية ليقاتلوا غضباً لأنفسهم فيتعدوا حدود الشرع {وألزمهم} أي المؤمنين إلزام إكرام أو تشريف، لا إلزام إهانة وتعنيف {كلمة التقوى} وهي كل قول أو فعل ناشىء عن التقوى وإعلاء كلمة الإخلاص المتقدم في سورة القتال وهي لا إله إلا الله التي هي أحق الحق، يقتضي التحقق بمدلولها من أنه لا فاعل إلا الله الثبات على كل ما أخبر به رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من التوحيد والبسملة والرسالة مع تغيير الكتابة بكل منهما لأجل الكفار في ذلك المقام الدحض الذي لا يكاد يثبت فيه قدم، وأضافها إلى التقوى التي هي اتخاذ ساتر يقي حر النار فجعلها وصفاً لازماً لهم غير منفك عنهم لأنها سببها الحامل عليها، ويجمع الحامل على التقوى اعتقاد الوحدانية وهي لا إلا الله فإنها كلمة - كما قال الرازي - أولها نفي الشرك وآخرها تعلق بالإلهية، وهذا من أعلام النبوة، فإن أهل الحديبية الذين ألزموا هذه الكلمة ماتوا كلهم