يدي الشيطان، يصرفه في أغراضه كيف يشاء، فيطيعه بغاية الشهوة مع علمه بعداوته، وأن طاعته لا تكون إلا بمخالفة أمر الله الولي الودود، وكان العاصي أكثر كثرة يكون الطائع فيها بالنسبة إليه كالشعرة البيضاء في جلد الثور الأسود، وكان ذلك منابذاً للعقل، أشار إلى هذه المنابذة بأداة من لا يعقل وإلى جميع ما في أمره من العجب بلدي فقال:{ما لدي} أي الأمر الذي عندي من الأمر المستغرب جداً لكون المطيع عصاني، وهو مطبوع على النقائص والحظوظ التي يرى أنها حياته ولذته وراحته، والعاصي أطاعني وهو يعلم بعقله أني شر محض، وترك الخير المحض وهو عالم بأن في ذلك هلاكه {عتيد *} أي حاضر مهيأ لما يراد منه.
ولما كانت العادة جارية بأن من أحضر إليه شيء تبادر إلى أمهر بقوله أو فعل، وصل بذلك ما هو نتيجته، وبدأ بالعاصي لأن المقام له، فقال ما يدل على أنه لا وزن له، فلا وقفة في عذابه بحسابه ولا غيره، مؤكداً خطاباً للمؤكد بالإلقاء أو خطاباً للسائق والشهيد، أو السائق وحده مثنياً لضميره تثنية للأمر كأنه قال: ألق ألق - تأكيداً له وتهويلاً:{ألقيا} أي اطرحا دفعاً من غير شفقة، وقيل: بل هو تثنية وأصل ذلك أن الرفقة أدنى ما يكون ثلاثة، فجرى كلام الواحد على صاحبه، ألا ترى أن الشعراء أكثر شيء قيلاً: يا صاحبيّ يا خليليّ، والسر فيه إذا كان المخاطب واحداً إفهامه أنه يراد منه الفعل بجد عظيم تكون قوته