التقدير: ففي السماوات آيات للمؤمنين دالات على عظمته واستحقاقه للعبادة بغاية الخضوع رغباً ورهباً، عطف عليه قوله:{وفي الأرض} مما فيه أيضاً من الاختلاف بالمعادن الكثيرة المتباينة مع اتحاد أصلها والنبات والحيوان والجماد والبر والبحر وغير ذلك من الأسرار الدالة على الفاعل المختار {آيات} أي دلالات عظيمات هي مع وضوحها بعد التأمل خفيات {للموقنين *} الذين صار الإيقان لهم غريزة ثابتة، فهم لذلك يتفطنون لرؤية ما فيها مع ما يلابسهم منها من الأسباب فيشغلهم ولا يرون أكثر أسباب ما فيها من الآيات فأداهم ذلك إلى الإيقان بما نبهت عليه الرسل مما تستقل به العقول من البعث وغيره، قال القشيري: من الآيات فيها أنها تحمل كل شيء، فكذلك العارف يحمل كل أحد ومن استثقل أحداً أو تبرم برؤيته أحداً فلغيبته عن الحقيقة ومطالعة الخلق بعين التفرقة. وأهل الحقائق لا يتصفون بهذه الصفة، ومن الآيات فيها أنه يلقى عليها كل قذارة وقمامة فتنبت كل زهر ونور وكذلك العارف يتشرب ما يلقى من الجفاء ولا يترشح إلا بكل خلق عليّ وشيمة زكية.
ولما أشار إلى آيات الآفاق، أتبعها آيات الأنفس فقال:{وفي أنفسكم} أي من الآيات التي شاركتم بها الجماد، ثم فارقتموه بالنمو ثم بالحس ثم فارقتم الحيوان الخسيس بالعقل الموصل إلى بدائع