من ينظر ذلك حق النظر على الرجاء من أن يتذكروا قليلاً من التذكر فيهديكم إلى سواء السبيل.
ولما كان كل شيء مما سواه لا بد له من ضد يضاده أو قرين يسد مسده، وأما سبحانه فلا مثل له لأنه لو كان له مثل لنازعه، فلم يقدر على كل ما يريد {لو كان فيهما آلهة إلا الله لفسدتا}[الأنبياء: ٢٢] وثبت أنه أهلك القرون الأولى بمخالفة الرسل عليهم الصلاة والسلام، فثبت أن وراء المكلفين عذاباً يحق لهم الفرار منه، وثبت أن كل شيء غيره محتاج إلى زوجه يثبت حاجة الكل إليه، وأنه لا كفاية عند شيء في كل ما يرام منه، وجب أن لا يفزع إلا إلى الواحد الغني فسبب عن ذلك قوله:{ففروا} أي أقبلوا وألجؤوا. ولما درب عباده في هذه السورة بصفة الربوبية كثيراً، فتأهلوا إلى النفوذ في الغيب، وكانت العبادة لا تكون خالصة إلا إن علقت بالذات لا لشيء آخر، ذكر اسم الذات فقال:{إلى الله} أي إلى الذي لا مسمى له من مكافىء، وله الكمال كله، فهو في غاية العلو، فلا يقر ويسكن أحد إلى محتاج مثله فإن المحتاج لا غنى عنده، ولا يقر سبحانه.
إلا من تجرد عن حضيض عوائقه الجسمية إلى أوج صفاته الروحانية، وذلك من وعيده إلى وعده اللذين دل عليهما بالزوجين، فتنقل السياق بالتحذير والاستعطاف والاستدعاء، فهو من باب «لا ملجأ منك إلا إليك أعوذ بك منك» واستمر إلى آخر