ولما كان الاستفهام إنكارياً، كان المعنى: ليس له ما تمنى، وكان ذلك دليلاً قطعياً على أنه مربوب مقهور ممن له الأمر كله، فسبب عنه قوله:{فلله} أي الملك الأعظم وحده. ولما كانت الأخرى دار اللذات وبلوغ جميع الأماني وحرمانها، وكانوا يدعون فيها على تقدير كونها جميع ما يتمنون من شفاعة آلهتهم وإجابتها إلى إسعادهم ونحو ذلك، قدم قوله:{الآخرة} فهو لا يعطي الأماني فيها إلا لمن تبع هداه وخالف هواه {والأولى *} فهو لا يعطي جميع الأماني فيها لأحد أصلاً كما هو مشاهد، فمن ترك هواه فيها نال أمانيه في الآخرة، فلهذا قدمها لا للفاصلة فإنه لو قيل «الأخرى» لصلحت للفاصلة.
ولما كان التقدير: فكم من شخص ترونه في الأرض مع أنه في غاية المكنة فيما يظهر لكم لا يصل إلى ربع ما يتمناه، عطف عليه قوله، مظهراً لضخامة ملكه وأنه لا يبالي بأحد، دالاً على الكثرة:{وكم من ملك} أي مقرب، ودل على زيادة قربه بشرف مسكنه فقال:{في السماوات} أي وهم في الكرامة والزلفى {لا تغني} أي لا تجزي وتسد وتكفي، ولما كان رد الجمع لحال اجتماعهم أدل على العظمة، عبر بما يحتمل ذلك فقال:{شفاعتهم} أي عن أحد من الناس {شيئاً} فقصر الأمر ورده بحذافيره إليه بقوله: {إلا} ودل باثبات الجار على أنه مع ما يحده سبحانه لا مطلقاً فقال: {من بعد أن يأذن} أي يمكن ويريد {الله}