ولما كان هذا من أجلّ النعم التي يدور عليها العباد، ويصلح بها البلاد، وتقوم بها السماوات والأرض، لأن مطلق التهديد يحصل به انزجار النفس عما لها من الانتشار فيما يضر ولا ينفع، فكيف بالتهديد بيوم الفصل قال:{فبأيّ آلاء ربكما} أي المحسن إليكما بهذا الصنع المحكم {تكذبان *} أبنعمة السمع عن اليمين أو بغيرها من إثابة أمل طاعته وعقوبة أمل معصيته، وسمى ابن برجان هذا الإخبار الذي لا نون جمع فيه خطاب القبض يخبر فيه عن موجوداته وما هو خالقه، قال: وذلك إخبار منه عن محض الوحدانية، وما قبله من {سنفرغ} ونحوه وما فيه نون الجمع إخبار عن وصف ملكوته وجنوده وهو خطاب البسط.
ولما كان التهديد بالفراغ ربما أوهم أنهم الآن معجوز عنهم أو عن بعض أمرهم، بين بخطاب القبض المظهر لمحض الواحدانية أنهم في القبضة، لا فعل لأحد منهم بدليل أنهم لا يصلون إلى جميع مرادهم مما هو في مقدورهم، ولكنه ستر ذلك بالأسباب التي يوجد التقيد بها إسناد الأمور إلى مباشرتها فقال بياناً للمراد بالثقلين:{يا معشر} أي يا جماعة فيهم الأهلية والعشرة والتصادق {الجن} قدمهم لمزيد قوتهم ونفوذهم في المسام وقدرتهم على الخفاء والتشكل في الصور بما ظن أنهم لا يعجزهم شيء {والإنس} أي الخواص والمستأنسين والمؤانسين المبني أمرهم على الإقامة والاجتماع.
ولما بان بهذه التسمية المراد بالتثنية، جمع دلالة على كثرتهم فقال: