من يسابق شخصاً فهو يسعى ويجتهد غاية الاجتهاد في سبقه، ولكن ربما كان قرينه بطيئاً فسار هويناً، وأما المسارعة فلا تكون إلا بجهد النفس من الجانبين مع السرعة في العرف، فآية آل عمران الآمرة بالمسارعة الأخص من المسابقة أبلغ لأنها للحث على التجرد عن النفس والمال وجميع الحظوظ أصلاً ورأساً، ولذلك كانت جنتها للمتقين الموصوفين. وأما هذه ففي سياق التصديق الذي هو تجرد عن فضول الأموال ولذلك كانت جنته للذين آمنوا.
ولما كان المقام عظيماً، والإنسان - وإن بذلك الجهد - ضعيفاً، لا يسعه إلا العفو سواء كان سابقاً أو لاحقاً من الأبرار والمقربين، نبه على ذلك بقوله في السابقين؛ {إلى مغفرة} أي ستر لذنوبكم عيناً وأثراً {من ربكم} أي المحسن إليكم بأن رباكم وطوركم بعد الإيجاد بأنواع الأسباب بأن تفعلوا أسباب ذلك بامتثال أوامره سبحانه واجتناب زواجره. ولما كان المقصود من المغفرة ما يترتب عليها من نتيجتها قال:{وجنة} أي وبستان هو من عظم أشجارها واطراد أنهارها بحيث يستر داخله. ولما كان ذلك لا يكمل إلا بالسعة قال:{عرضها} أي فما ظنك بطولها. ولما كان السياق كما بين للتجرد عن فضول الأموال فقط لأن الموعود به دون ما في آل عمران فأفرده وصرح بالعرض فقال:{كعرض السماء والأرض} أي لو وصل بعضها ببعض، فآية آل عمران تحتمل الطول وجميع السماوات والأرض على هيئتها، ويحتمل أن