ولما ظهرت الأدلة حتى لم يبق لأحد علة، وانتشر نورها حتى ملأ الأكوان، وعلا علواً تضاءل دون عليائه كيوان، وكان فيما تقدم شرح مآل الدنيا وبيان حقيقتها، وأن الأدمي إذا خلي ونفسه ارتكب ما لا يليق من التفاخر وما شاكله وترك ما يراد به مما دعي إليه من الخير جهلاً منه وانقياداً مع طبعه، وكان ختم الآية السابقة ربما أوهم المشاركة، قال تعالى نافياً ذلك في جواب من توقع الإخبار عن سائر الأنبياء: هو أوتوا من البيان ما أزال اللبس، مؤكداً لإزالة العذر بإقامة الحجج بإرسال الرسل بالمعجزات الحاضرة والكتب الباقية، معلماً أن من أعرض كلف الإقبال بالسيف، فإن الحكيم العظيم تأبى عظمته وحكمته أن يخلي المعرض عن بينة ترده عما هو فيه، وقسر يكفيه عما يطغيه:{لقد أرسلنا} أي بما لنا من العظمة {رسلنا} أي الذين لهم نهاية الإجلال بما لهم بنا من الاتصال من الملائكة إلى الأنبياء على جميعهم أفضل الصلاة والسلام والتحية والإكرام، ومن الأنبياء إلى الأمم {بالبينات} أي الموجبة للإقبال في الحال لكونها لا لبس فيها أصلاً، ودل على عظمة أنبيائه عليهم الصلاة والسلام بأنهم لعلو مقاماتهم بالإرسال كأنهم أتوا إلى العباد من موضع عال جداً فقال:{وأنزلنا} بعظمتنا