للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

اعتراني فلس (١)، فقتلت الرجل طمعًا في ماله، ثم سمعت حس العسس (٢)، فخرجت من الخَرِبة، واستقبلت هذا القصاب على الحال التي وصف، فاستترت منه ببعض الخربة حتى أتى العسس، فأخذوه وأتوك به. فلما أمرت بقتله علمت أني أبوء بدمه أيضا فاعترفت بالحق. فقال علي للحسن -رضي الله عنهما- (٣): ما الحكم في هذا؟ قال: يا أمير المؤمنين، إن كان قد قتل نفسًا فقد أحيا نفسًا، وقد قال تعالى: {وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا} (٤)، فخلى علي -رضي الله عنه- عنهما، وأخرج دية القتيل من بيت المال)). (٥)

وجه الدلالة: أن عليَّا -رضي الله عنه- أسقط القصاص عن القاتل وعن المتهم بالقتل بعد استشارة ابنه الحسن -رضي الله عنه- وقوله: إن كان قد قتل نفسًا فقد أحيا نفسًا، وأخرج دية القتيل من بيت المال فهو: قضاء الحسن عليه السلام بين يدي أبيه -رضي الله عنهما-.

قال ابن القيم -رحمه الله- عقب ذكره الأثر: (وهذا إن وقع صلحًا برضى الأولياء فلا إشكال، وإن كان بغير رضاهم فالمعروف من أقوال الفقهاء: أن القصاص لا يسقط بذلك؛ لأن الجاني قد اعترف بما يوجبه، ولم يوجد ما يسقطه، فيتعين استيفاؤه. وبعد فَلِحُكْم أمير المؤمنين وجه قوي، وقد وقع نظير هذه القصة في زمن رسول الله (٦) إلا أنها ليست في القتل ثم ذكر ذلك). (٧)


(١) فلس: أفلس الرجل أي إذا لم يبق له مال. انظر: «النهاية في غريب الحديث والأثر» (٣/ ٤٧٠) مادة (فلس)
(٢) العسس: هو: الذي يطوف للسلطان بالليل. ومنه حديث عمر -رضي الله عنه-: أنه كان يعس بالمدينة، أي يطوف بالليل يحرس الناس ويكشف أهل الريبة. انظر: «معجم مقاييس اللغة» (٤/ ٤٢) «لسان العرب» (٦/ ١٣٩)، مادة (عسس).
(٣) هو: الحسن بن علي بن أبي طالب، أبو محمد، ولد سنة (٣ هـ) على الأثبت سبط رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وريحانته، روى عن النبي -صلى الله عليه وسلم- وعن أبيه، اختلف في وفاته قيل (٤٤ هـ) وقيل (٤٩ هـ) وقيل (٥٠ هـ) وقيل غير ذلك. انظر: «الاستيعاب في معرفة الأصحاب» (١/ ٣٨٣) «الإصابة في تمييز الصحابة» (٢/ ٦٠)
(٤) [سورة المائدة: ٣٢].
(٥) أورده ابن القيم بلا سند في «الطرق الحكمية»، (١/ ١٤٠) ولم أقف عليه مسندأ.
(٦) القصة ذكرها النسائي فقال: عن علقمة بن وائل، عن أبيه، زعم أن امرأة وقع عليها رجل في سواد الصبح وهي تعمد إلى المسجد عكورة على نفسها فاستغاثت برجل مر عليها، وفر صاحبها ثم مر عليها ذوو عدد فاستغاثت بهم فأدركوا الرجل الذي كانت استغاثت به فأخذوه وسبقهم الآخر فجاءوا به يقودونه إليها، فقال لها: أنا الذي أغثتك وقد ذهب الآخر قال: فأتوا به النبي -صلى الله عليه وسلم- فأخبرته أنه وقع عليها وأخبر القوم أنهم أدركوه يشتد فقال: إنما كنت أغيثها على صاحبها فأدركوني هؤلاء فأخذوني قالت: كذب هو الذي وقع علي فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «انطلقوا به فارجموه» فقام الرجل من الناس فقال: لا ترجموه وارجموني فأنا الذي فعلت بها الفعل فاعترف فاجتمع ثلاثة عند رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، الذي وقع عليها والذي أغاثها والمرأة فقال: أما أنت فقد غفر لك وقال للذي أغاثها قولًا حسنًا، فقال عمر: أرجم الذي اعترف بالزنى؟ فأبى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: «لا إنه قد تاب إلى الله»، «السنن الكبرى»، كتاب الرجم، الضرير في خلقته يصيب الحد، ذكر الاختلاف على يعقوب بن عبد الله بن الأشج فيه، (٦/ ٤٧٧) رقم (٧٢٧٠)
(٧) «الطرق الحكمية» (١/ ١٤٢)

<<  <   >  >>