للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

[المطلب الأول: اجتماع النكاح ونوافل العبادات لصاحب الشهوة.]

اختلف فقهاء الحنابلة في ذلك على روايتين:

الرواية المعتمدة: النكاح لصاحب الشهوة أفضل من نوافل العبادات.

قال ابن قدامة -رحمه الله- حينما ذكر أحوال الناس في النكاح: (من يستحب له، وهو من له شهوة يأمن معها الوقوع في محظور، فهذا الاشتغال له به أولى من التخلي لنوافل العبادة، وهو ظاهر قول الصحابة -رضي الله عنهم-، وفعلهم). (١)

وقال المرداوي -رحمه الله-: (قوله: والاشتغال به أفضل من التخلي (٢) لنوافل العبادة. يعني حيث قلنا: يستحب. وكان له شهوة. وهذا المذهب مطلقًا. نص عليه وعليه جماهير الأصحاب، وقطع به كثير منهم). (٣)

وقال البهوتي (٤) -رحمه الله-: (واشتغاله أي ذي الشهوة به أي النكاح أفضل من نوافل العبادة قاله في المختصر (٥)، ومن التخلي لنوافل العبادة قال ابن مسعود: (لو لم يبق من أجلي إلا عشرة أيام وأعلم أني أموت في آخرها يومًا، ولي طول النكاح فيهن لتزوجت مخافة الفتنة) وقال ابن عباس لسعيد بن جبير: (تزوج فإن خير هذه الأمة أكثرها نساء). (٦)

استدلوا على هذه الرواية: بالكتاب، والسنة، وأقوال الصحابة، والمعقول. والدليل المعتمد هو قول الصحابة.


(١) «المغني» (٩/ ٣٤١)
(٢) التخلي: هو: التفرد والخلوة بنوافل العبادة، دون النكاح، وتوابعه. «المطلع على ألفاظ المقنع» (ص ٣٨٦)
(٣) «الإنصاف» (٢٠/ ٢٣)
(٤) هو: منصور بن يونس البهوتي، ولد سنة (١٠٠٠ هـ)، أبو السعادات، أخذ عن: الجمال يوسف البهوتي، وعبد الرحمن البهوتي، وعنه: محمد بن أبي السرور، وإبراهيم الصالحي له: «كشاف القناع» و «شرح منتهى الإرادات»، كان عالمًا ورعًا، متبحرًا في العلوم الدينية، مات سنة (١٠٥١ هـ). انظر «السحب الوابلة» لابن حميد (ص: ١١٣١)، «مختصر طبقات الحنابلة» للشطي، (ص ١١٤)
(٥) يقصد به «زاد المستقنع» للحجاوي وهو: متن لاختصار كتاب «المقنع» لابن قدامة، على قول واحد، راجحٌ في المذهب، وانتفع به الناس جيلاً بعد جيل، وتدارسوه، من شروحه «الروض المربع» للبهوتي ومن حواشيه «حاشية النجدي»، وقام بنظمه ابن قاسم في أكثر من أربعة آلاف بيت. انظر: «المذهب الحنبلي دراسة في تاريخه وسماته» للتركي (٢/ ٤٨٦)
(٦) «كشاف القناع»، (١١/ ١٤٠)

<<  <   >  >>