للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَمَنْ جَرَحَ صَيْدًا، أَوْ نَتَفَ شَعْرَهُ، أَوْ قَطَعَ عُضْوًا مِنْهُ ضَمِنَ مَا نَقَصَهُ، وَإِنْ نَتَفَ رِيشَ طَائِرٍ، أَوْ قَطَعَ قَوَائِمَ صَيْدٍ فَعَلَيْهِ قِيمَتُهُ، وَإِنْ كَسَرَ بَيْضَتَهُ فَعَلَيْهِ قِيمَتُهَا ;

ــ

[الاختيار لتعليل المختار]

وَحَيْثُ جَازَ إِنَّمَا جَازَ تَبَعًا وَالْكَلَامُ فِي جَوَازِهِ أَصْلًا، وَإِنْ شَاءَ اشْتَرَى طَعَامًا فَأَطْعَمَ كَمَا ذَكَرْنَا كَمَا فِي الْفِدَاءِ وَالْكَفَّارَاتِ، وَإِنْ شَاءَ صَامَ عَلَى مَا وَصَفْنَا كَمَا فِي الْفِدَاءِ، وَإِنَّمَا يَتَخَيَّرُ بَيْنَ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ الثَّلَاثَةِ كَمَا فِي كَفَّارَةِ الْيَمِينِ، وَهُوَ مَذْهَبُ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَإِنَّمَا يَتَخَيَّرُ الْقَاتِلُ لِأَنَّ الْخِيَارَ شُرِعَ رِفْقًا بِهِ، وَذَلِكَ إِنَّمَا يَحْصُلُ إِذَا كَانَ التَّعْيِينُ إِلَيْهِ وَالْخِيَارُ لَهُ، فَإِنْ فَضَلَ أَقَلُّ مِنْ نِصْفِ صَاعٍ أَوْ كَانَ الْوَاجِبُ، إِنْ شَاءَ تَصَدَّقَ بِهِ لِأَنَّهُ كُلُّ الْوَاجِبِ، وَإِنْ شَاءَ صَامَ عَنْهُ يَوْمًا لِعَدَمِ تَجَزِّي الصَّوْمِ.

وَقَالَ مُحَمَّدٌ: الْوَاجِبُ الْمِثْلُ مِنْ حَيْثُ الصُّورَةُ وَالْجُثَّةُ، فَفِي الظَّبْيِ وَالضَّبُعِ شَاةٌ، وَفِي الْأَرْنَبِ عِنَاقٌ، وَفِي الْيَرْبُوعِ جَفْرَةٌ، وَفِي النَّعَامَةِ بَدَنَةٌ، وَفِي حِمَارِ الْوَحْشِ بَقَرَةٌ، وَمَا لَا نَظِيرَ لَهُ كَالْحَمَامِ وَالْعُصْفُورِ تَجِبُ الْقِيمَةُ كَمَا قَالَا، لَهُ قَوْله تَعَالَى: {فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ} [المائدة: ٩٥] . وَالْمِثْلِيَّةُ مِنْ حَيْثُ الصُّورَةُ أَوْلَى؛ لِأَنَّ الْقِيمَةَ لَيْسَتْ مِثْلًا لِلنَّعَمِ. وَعَنْ جَمَاعَةٍ مِنَ الصَّحَابَةِ إِيجَابُ النَّظِيرِ مِنْ حَيْثُ الْخِلْقَةُ، وَعِنْدَهُ الْخِيَارُ إِلَى الْحَكَمَيْنِ، فَإِنْ حَكَمَا بِالْهَدْيِ يَجِبُ النَّظِيرُ، وَإِنْ حَكَمَا بِالطَّعَامِ أَوْ بِالصِّيَامِ فَكَمَا قَالَا، لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ هَدْيًا} [المائدة: ٩٥] نُصِبَ مَفْعُولُ يَحْكُمُ، وَجَوَابُهُ مَا قُلْنَا، وَلِأَنَّ الْكَفَّارَةَ رَفْعُ عَطْفٍ عَلَى الْجَزَاءِ، وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ: {أَوْ عَدْلُ} [المائدة: ٩٥] رُفِعَ، وَإِنَّمَا الْحَكَمَانِ يَحْكُمَانِ بِالْقِيمَةِ لِأَنَّ الْوَاجِبَ لَوْ كَانَ النَّظِيرَ لَمَا احْتَاجَ إِلَى تَقْوِيمِهَا، فَعُلِمَ أَنَّ الْحَكَمَيْنِ إِنَّمَا يَحْكُمَانِ بِالْقِيمَةِ ثُمَّ الْخِيَارُ إِلَيْهِ رِفْقًا بِهِ كَمَا بَيَّنَّا.

وَإِنْ قَتَلَ مَا لَا يُؤْكَلُ مِنَ السِّبَاعِ فَفِيهِ الْجَزَاءُ لِأَنَّهُ صَيْدٌ فَيَتَنَاوَلُهُ إِطْلَاقُ النَّصِّ، وَلَا يَتَجَاوَزُ بِقِيمَتِهِ شَاةً؛ لِأَنَّ السَّبُعَ وَإِنْ كَبُرَ لَا يَتَجَاوَزُ قِيمَةُ لَحْمِهِ قِيمَةَ لَحْمِ شَاةٍ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُنْتَفَعٌ بِهِ شَرْعًا.

قَالَ: (وَمَنْ جَرَحَ صَيْدًا أَوْ نَتَفَ شَعْرَهُ، أَوْ قَطَعَ عُضْوًا مِنْهُ ضَمِنَ مَا نَقَصَهُ) اعْتِبَارًا لِلْبَعْضِ بِالْكُلِّ.

(وَإِنْ نَتَفَ رِيشَ طَائِرٍ أَوْ قَطَعَ قَوَائِمَ صَيْدٍ فَعَلَيْهِ قِيمَتُهُ) لِأَنَّهُ خَرَجَ بِهِ عَنْ حَيِّزِ الِامْتِنَاعِ فَقَدْ فَوَّتَ عَلَيْهِ الْأَمْنَ فَصَارَ كَمَا إِذَا قَتَلَهُ، وَكَذَلِكَ كَلُّ فِعْلٍ يَخْرُجُ بِهِ عَنْ حَيِّزِ الِامْتِنَاعِ.

(وَإِنْ كَسَرَ بَيْضَتَهُ فَعَلَيْهِ قِيمَتُهَا) لِمَا رُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - قَضَى بِذَلِكَ، وَكَذَا رُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ وَابْنِ عَبَّاسٍ.

وَلَوْ خَرَجَ مِنْهَا فَرْخٌ مَيِّتٌ فَعَلَيْهِ قِيمَتُهُ حَيًّا؛ لِأَنَّهُ كَانَ بِعَرَضِيَّةِ الْحَيَاةِ وَقَدْ فَوَّتَهَا فَتَجِبُ قِيمَتُهُ احْتِيَاطًا.

وَكَذَلِكَ لَوْ ضَرَبَ بَطْنَ ظَبْيَةٍ فَأَلْقَتْ جَنِينًا مَيِّتًا فَعَلَيْهِ قِيمَتُهُ لِمَا بَيَّنَّا. وَشَجَرُ الْحَرَمِ لَا يَحِلُّ قَطْعُهُ لِمُحْرِمٍ وَلَا حَلَالٍ. قَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «لَا يُخْتَلَى خَلَاهَا وَلَا يُعْضَدُ شَوْكُهَا» فَصَارَ كَالصَّيْدِ، وَشَجَرُ الْحَرَمِ مَا يَنْبُتُ بِنَفْسِهِ، أَمَّا إِذَا أَنْبَتَهُ النَّاسُ أَوْ كَانَ مِنْ جِنْسِ مَا يُنْبِتُهُ النَّاسُ فَلَا بَأْسَ بِقَطْعِهِ وَقَلْعِهِ؛ لِأَنَّ النَّاسَ اعْتَادُوا الزِّرَاعَةَ وَالْحَصْدَ مِنْ لَدُنْ رَسُولِ اللَّهِ

<<  <  ج: ص:  >  >>