وَإِنْ قَالَ: لِي بَيِّنَةٌ حَاضِرَةٌ فِي الْمِصْرِ وَطَلَبَ يَمِينَ خَصْمِهِ لَمْ يُسْتَحْلَفْ (سم ف) وَيَأْخُذُ مِنْهُ كَفِيلًا بِنَفْسِهِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ، وَإِنْ كَانَ غَرِيبًا يُلَازِمُهُ مِقْدَارَ مَجْلِسِ الْقَاضِي، وَلَا يُسْتَحْلَفُ فِي النِّكَاحِ (سم) ، وَالرَّجْعَةِ وَالْفَيْءِ فِي الْإِيلَاءِ وَالرِّقِّ وَالِاسْتِيلَادِ وَالنَّسَبِ وَالْوَلَاءِ وَالْحُدُودِ،
ــ
[الاختيار لتعليل المختار]
وَقَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «الْبَيِّنَةُ عَلَى الْمُدَّعِي» مَشْهُورٌ قَرِيبٌ مِنَ التَّوَاتُرِ فَلَا يُعَارِضُهُ؛ لِأَنَّ خَبَرَ الْآحَادِ إِذَا وَرَدَ مُعَارِضًا لِلْخَبَرِ الْمَشْهُورِ يُرَدُّ.
الرَّابِعُ: رَدَّهُ أَئِمَّةُ الْحَدِيثِ كَيَحْيَى بْنِ مَعِينٍ وَغَيْرِهِ.
الْخَامِسُ: مَا رُوِيَ عَنْ مَعْمَرٍ قَالَ: سَمِعْتُ الزُّهْرِيَّ يَقُولُ: الْقَضَاءُ بِالشَّاهِدِ وَالْيَمِينِ بِدْعَةٌ، وَأَوَّلُ مَنْ قَضَى بِهِ مُعَاوِيَةُ.
قَالَ: (وَإِنْ قَالَ: لِي بَيِّنَةٌ حَاضِرَةٌ فِي الْمِصْرِ وَطَلَبَ يَمِينَ خَصْمِهِ لَمْ يُسْتَحْلَفْ) عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَقَالَا: يُسْتَحْلَفُ، لِأَنَّ الْيَمِينَ حَقُّهُ فَلَا يَبْطُلُ إِلَّا بِإِقَامَةِ الْبَيِّنَةِ لَا بِالْقُدْرَةِ عَلَيْهَا، وَاعْتِرَافُهُ بِالْبَيِّنَةِ لَا يَكُونُ اعْتِرَافًا بِسُقُوطِ الْيَمِينِ، وَلَهُ قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «أَلَكَ بَيِّنَةٌ؟ قَالَ: لَا، قَالَ: فَلَكَ يَمِينُهُ» ؛ رَتَّبَ الْيَمِينَ عَلَى عَدَمِ الْبَيِّنَةِ فَلَا يَجِبُ مَعَ وُجُودِهَا؛ وَلِأَنَّا أَجْمَعْنَا عَلَى أَنَّهُ لَوْ قَامَتِ الْبَيِّنَةُ سَقَطَتِ الْيَمِينُ، حَتَّى لَوْ قَالَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ: أَنَا أَحْلِفُ لَا يُلْتَفَتُ إِلَيْهِ، وَإِذَا كَانَتِ الْيَمِينُ لَا يَثْبُتُ حُكْمُهَا مَعَ الْبَيِّنَةِ، فَإِذَا اعْتَرَفَ بِالْبَيِّنَةِ وَأَنَّهُ قَادِرٌ عَلَى إِقَامَتِهَا فَقَدِ اعْتَرَفَ أَنَّهُ لَا يَمِينَ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ.
قَالَ: (وَيَأْخُذُ مِنْهُ كَفِيلًا بِنَفْسِهِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ) وَيُجِيبُهُ الْقَاضِي إِلَى ذَلِكَ اسْتِحْسَانًا لِاحْتِمَالِ أَنَّهُ يَغِيبُ قَبْلَ إِقَامَةِ الْبَيِّنَةِ، وَكَذَا لَوْ أَقَامَ الْبَيِّنَةَ قَبْلَ الْقَضَاءِ لِاحْتِمَالِ أَنَّهُ يَغِيبُ قَبْلَ الْقَضَاءِ فَيَتَعَذَّرُ الْقَضَاءُ فَيَكْفُلُهُ مُدَّةَ إِحْضَارِ الشُّهُودِ عَلَى مَا يُرْوَى عَنْ أَبِي يُوسُفَ وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ بِمُجَرَّدِ الدَّعْوَى عِنْدَ الْقَاضِي يُعَدِّيهِ إِحْيَاءً لِلْحُقُوقِ كَذَا هَذَا، وَيَكْتَفِي بِالْكَفِيلِ أَنْ يَكُونَ مَعْرُوفًا لِيَحْصُلَ التَّوَثُّقُ، وَلَا يُشْتَرَطُ كَوْنُهُ مَلِيًّا أَوْ تَاجِرًا، فَإِنِ امْتَنَعَ أَنْ يُعْطِيَهُ كَفِيلًا أَمَرَهُ الْقَاضِي بِالْمُلَازَمَةِ عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي ذَكَرْنَا فِي أَدَبِ الْقَاضِي.
(وَإِنْ كَانَ غَرِيبًا يُلَازِمُهُ مِقْدَارَ مَجْلِسِ الْقَاضِي) لِأَنَّ مُلَازَمَتَهُ أَكْثَرُ مِنْ ذَلِكَ تَضُرُّهُ وَتَمْنَعُهُ مِنْ سَفَرِهِ مِنْ غَيْرِ حُجَّةٍ، بِخِلَافِ الْمُقِيمِ إِذْ لَا ضَرَرَ عَلَيْهِ فِي ذَلِكَ، وَهَذَا إِذَا كَانَ حَقًّا لَا يَسْقُطُ بِالشُّبْهَةِ؛ أَمَّا الْحُدُودُ وَالْقِصَاصُ فِي النَّفْسِ فَلَا يَأْخُذُ مِنْهُ كَفِيلًا، وَقَالَا: يَأْخُذُ مِنْهُ كَفِيلًا فِي حَدِّ الْقَذْفِ وَفِي السَّرِقَةِ إِنِ ادَّعَى الْمَالَ.
قَالَ: (وَلَا يُسْتَحْلَفُ فِي النِّكَاحِ وَالرَّجْعَةِ وَالْفَيْءِ فِي الْإِيلَاءِ وَالرِّقِّ وَالِاسْتِيلَادِ وَالنَّسَبِ وَالْوَلَاءِ وَالْحُدُودِ) ، وَقَالَا: يُسْتَحْلَفُ فِيهَا إِلَّا الْحُدُودَ وَاللَّعَانَ، وَهَذَا بِنَاءً عَلَى أَنَّ النُّكُولَ بَذْلٌ عِنْدَهُ، وَالْبَذْلُ لَا يَجْرِي فِي هَذِهِ الْأَشْيَاءِ إِقْرَارٌ عِنْدَهُمَا، وَالْإِقْرَارُ يَجْرِي فِيهَا. لَهُمَا أَنَّ النَّاكِلَ مُمْتَنِعٌ عَنِ الْيَمِينِ الْكَاذِبَةِ ظَاهِرًا، فَيَصِيرُ مُعْتَرِفًا بِالْمُدَّعَى دَلَالَةً، إِلَّا أَنَّهُ إِقْرَارٌ فِيهِ شُبْهَةٌ، وَالْحُدُودُ تَنْدَرِئُ بِالشُّبُهَاتِ، وَاللِّعَانُ فِي مَعْنَى الْحُدُودِ.
وَلَهُ أَنَّا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute