للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَيُسْتَحْلَفُ فِي الْقِصَاصِ، فَإِنْ نَكَلَ اقْتُصَّ مِنْهُ (سم) فِي الْأَطْرَافِ، وَفِي النُّفُوسِ يُحْبَسُ حَتَّى يَحْلِفَ (سم) أَوْ يُقِرَّ، وَإِنِ ادَّعَتْ عَلَيْهِ طَلَاقًا قَبْلَ الدُّخُولِ اسْتُحْلِفَ، فَإِنْ نَكَلَ قُضِيَ عَلَيْهِ بِنِصْفِ الْمَهْرِ وَالْيَمِينِ بِاللَّهِ تَعَالَى لَا غَيْرُ، وَتُغَلَّظُ بِأَوْصَافِهِ إِنْ شَاءَ الْقَاضِي،

ــ

[الاختيار لتعليل المختار]

لَوِ اعْتَبَرْنَاهُ إِقْرَارًا يَكُونُ كَاذِبًا فِي إِنْكَارِهِ وَالْكَذِبُ حَرَامٌ، وَلَوْ جَعَلْنَاهُ بَذْلًا وَإِبَاحَةً لَا يَكُونُ كَاذِبًا فَيُجْعَلُ بَاذِلًا صِيَانَةً لَهُ عَنِ الْحَرَامِ، وَالْمَقْصُودُ مِنَ الِاسْتِحْلَافِ الْقَضَاءُ بِالنُّكُولِ، فَكُلُّ مَوْضِعٍ لَا يُقْضَى فِيهِ بِالنُّكُولِ لَا يُسْتَحْلَفُ، وَيُسْتَحْلَفُ فِي السَّرِقَةِ إِنِ ادَّعَى الْمَالَ فَيُحَلِّفُهُ بِاللَّهِ مَا لَهُ عَلَيْهِ هَذَا الْمَالُ وَلَا شَيْءٌ مِنْهُ، فَإِنْ نَكَلَ ضَمَّنَهُ الْمَالَ لِثُبُوتِهِ مَعَ الشُّبْهَةِ، وَلَا يُقْطَعُ؛ لِأَنَّ الْحَدَّ لَا يَثْبُتُ مَعَ الشُّبْهَةِ، وَدَعْوَى الِاسْتِيلَادِ أَنْ تَدَّعِيَ الْأَمَةُ أَنَّهَا أُمُّ وَلَدِ سَيِّدِهَا، وَهَذَا ابْنُهَا مِنْهُ وَالْمَوْلَى يُنْكِرُ، أَمَّا لَوِ ادَّعَى الْمَوْلَى لَا يَلْتَفِتُ إِلَى إِنْكَارِهَا؛ لَأَنَّ الِاسْتِيلَادَ وَالنَّسَبَ يَثْبُتُ بِمُجَرَّدِ قَوْلِهِ.

وَاخْتَارَ الْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ الْفَتْوَى عَلَى قَوْلِهِمَا لِعُمُومِ الْبَلْوَى، ثُمَّ عِنْدَهُمَا كُلُّ نَسَبٍ يَثْبُتُ مِنْ غَيْرِ دَعْوَى الْمَالِ كَالْبُنُوَّةِ وَالزَّوْجِيَّةِ وَالْمَمْلُوكِيَّةِ يُسْتَحْلَفُ عَلَيْهِ، وَكُلُّ نَسَبٍ لَوْ أَقَرَّ بِهِ لَا يَثْبُتُ إِلَّا بِدَعْوَى الْمَالِ كَالْأَخِ وَالْعَمِّ لَا يُسْتَحْلَفُ إِلَّا إِذَا ادَّعَى بِسَبَبِهِ مَالًا أَوْ حَقًّا كَدَعْوَى الْإِرْثِ وَعَدَمِ الرُّجُوعِ فِي الْهِبَةِ وَنَحْوِهِ.

قَالَ: (وَيُسْتَحْلَفُ فِي الْقِصَاصِ) بِالْإِجْمَاعِ.

(فَإِنْ نَكَلَ اقْتُصَّ مِنْهُ فِي الْأَطْرَافِ، وَفِي النُّفُوسِ يُحْبَسُ حَتَّى يَحْلِفَ أَوْ يُقِرَّ) ، وَقَالَا: يَلْزَمُهُ الْأَرْشُ فِيهِمَا، لِأَنَّ النُّكُولَ إِقْرَارٌ فِيهِ شُبْهَةُ الْعَدَمِ فَلَا يَثْبُتُ بِهِ الْقِصَاصُ، فَيَجِبُ الْمَالُ سِيَّمَا إِذَا ادَّعَى الْوَلِيُّ الْعَمْدَ وَالْآخَرُ الْخَطَأَ. وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ الْأَطْرَافَ تَجْرِي مَجْرَى الْأَمْوَالِ فَيَجْرِي فِيهَا الْبَذْلُ حَتَّى لَوْ قَالَ لِغَيْرِهِ اقْطَعْ يَدِي فَقَطَعَهَا لَا شَيْءَ عَلَيْهِ، وَهَذَا دَلِيلُ الْبَذْلِ، إِلَّا أَنَّهُ لَا يُبَاحُ لَهُ الْقَطْعُ، لِأَنَّهُ لَا فَائِدَةَ لَهُ فِيهِ، وَالْبَذْلُ هَنَا مُفِيدٌ لِانْقِطَاعِ الْخُصُومَةِ، وَلَا كَذَلِكَ النَّفْسُ فَلَا يَجْرِي فِيهَا الْبَذْلُ، وَإِذَا امْتَنَعَ الْقِصَاصُ فِي النَّفْسِ وَالْيَمِينُ مُسْتَحَقَّةٌ عَلَيْهِ يُحْبَسُ بِهَا كَمَا فِي الْقَسَامَةِ.

قَالَ: (وَإِنِ ادَّعَتْ عَلَيْهِ طَلَاقًا قَبْلَ الدُّخُولِ اسْتُحْلِفَ) لِأَنَّهُ دَعْوَى مَالٍ.

(فَإِنْ نَكَلَ قُضِيَ عَلَيْهِ بِنِصْفِ الْمَهْرِ) لِمَا مَرَّ، وَكَذَا إِذَا ادَّعَتِ الصَّدَاقَ فِي النِّكَاحِ يُسْتَحْلَفُ؛ لِأَنَّهَا دَعْوَى مَالٍ، وَيَثْبُتُ الْمَالُ بِالنُّكُولِ دُونَ النِّكَاحِ وَقَدْ مَرَّ.

(وَالْيَمِينُ بِاللَّهِ تَعَالَى لَا غَيْرُ) قَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «مَنْ كَانَ حَالِفًا فَلْيَحْلِفْ بِاللَّهِ أَوْ لِيَذَرَ» .

(وَتُغَلَّظُ بِأَوْصَافِهِ إِنْ شَاءَ الْقَاضِي) ، وَقِيلَ يَخْتَلِفُ ذَلِكَ بِاخْتِلَافِ حَالِ الْحَالِفِ وَصَلَاحِهِ وَخَوْفِهِ وَقِلَّةِ مُبَالَاتِهِ وَغَيْرِ ذَلِكَ، وَقِيلَ يَخْتَلِفُ بِكَثْرَةِ الْمَالِ وَقِلَّتِهِ، وَيَنْبَغِي لِلْقَاضِي أَنْ يَعِظَ الْحَالِفَ قَبْلَ الْحَلِفِ، وَيُعَظِّمَ عِنْدَهُ حُرْمَةَ الْيَمِينِ، وَيَتْلُوَ عَلَيْهِ قَوْله تَعَالَى: {إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَنًا قَلِيلا} [آل عمران: ٧٧] الْآيَةَ، وَيَذْكُرُ لَهُ قَوْلُهُ - صَلَّى لِلَّهِ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ حَلَفَ عَلَى يَمِينِ صَبْرٍ لِيَقْتَطِعَ بِهَا مَالَ امْرِئٍ مُسْلِمٍ، لَقِيَ اللَّهَ تَعَالَى وَهُوَ عَلَيْهِ غَضْبَانُ»

<<  <  ج: ص:  >  >>