وَيُحْتَاطُ مِنَ التَّكْرَارِ، وَلَا تُغَلَّظُ بِزَمَانٍ وَلَا مَكَانٍ، وَيُسْتَحْلَفُ الْيَهُودِيُّ بِاللَّهِ الَذِي أَنْزَلَ التَّوْرَاةَ عَلَى مُوسَى، وَالنَّصْرَانِيُّ بِاللَّهِ الَذِي أَنْزَلَ الْإِنْجِيلَ عَلَى عِيسَى، وَالْمَجُوسِيُّ بِاللَّهِ الَذِي خَلَقَ النَّارَ، وَالْوَثَنِيُّ بِاللَّهِ، وَلَا يُحَلَّفُونَ فِي بُيُوتِ عِبَادَاتِهِمْ،
ــ
[الاختيار لتعليل المختار]
وَتَغْلِيظُ الْيَمِينِ أَنْ يَقُولَ: وَاللَّهِ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، الطَّالِبِ الْغَالِبِ، الْمُدْرِكِ الْمُهْلِكِ، الَّذِي يَعْلَمُ مِنَ السِّرَّ مَا يَعْلَمُ مِنَ الْعَلَانِيَةِ، الْكَبِيرِ الْمُتَعَالِ، وَيَزِيدُ عَلَيْهِ مَا يَشَاءُ وَيُنْقِصُ.
(وَيَحْتَاطُ مِنَ التَّكْرَارِ) بِإِدْخَالِ الْحُرُوفِ الْعَاطِفَةِ بَيْنَ هَذِهِ الْأَسْمَاءِ، فَإِنَّ الْمُسْتَحَقَّ عَلَيْهِ يَمِينٌ وَاحِدَةٌ.
(وَلَا تُغَلَّظُ بِزَمَانٍ وَلَا مَكَانٍ) لِأَنَّ تَعْظِيمَ الْمُقْسَمِ بِهِ حَاصِلٌ فِي كُلِّ زَمَانٍ وَمَكَانٍ وَهُوَ الْمَقْصُودُ، وَلَا يُسْتَحْلَفُ بِالطَّلَاقِ وَلَا بِالْعَتَاقِ لِلْحَدِيثِ. وَقِيلَ يَحْلِفُ فِي زَمَانِنَا لِقِلَّةِ مُبَالَاةِ النَّاسِ بِالْيَمِينِ الْكَاذِبَةِ وَكَثْرَةِ إِقْدَامِهِمْ عَلَى ذَلِكَ، وَكَرَاهَتِهِمُ الْيَمِينَ بِالطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ، لِأَنَّ الْمَقْصُودَ امْتِنَاعُهُمْ عَنِ الْيَمِينِ الْكَاذِبَةِ وَجُحُودِ الْحَقِّ، وَذَلِكَ فِيمَا يُعَظِّمُونَهُ أَكْثَرُ.
قَالَ: (وَيُسْتَحْلَفُ الْيَهُودِيُّ بِاللَّهِ الَّذِي أَنْزَلَ التَّوْرَاةَ عَلَى مُوسَى، وَالنَّصْرَانِيُّ بِاللَّهِ الَّذِي أَنْزَلَ الْإِنْجِيلَ عَلَى عِيسَى، وَالْمَجُوسِيُّ بِاللَّهِ الَّذِي خَلَقَ النَّارَ) ، وَالْأَصْلُ فِي ذَلِكَ مَا رُوِيَ: «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَلَّفَ ابْنَ صُورِيَّا الْيَهُودِيَّ عَلَى حُكْمِ الزِّنَا فِي التَّوْرَاةِ فَقَالَ لَهُ: " أُنْشِدُكَ بِاللَّهِ الَّذِي أَنْزَلَ التَّوْرَاةَ عَلَى مُوسَى» ، وَإِذَا ثَبَتَ هَذَا فِي الْيَهُودِيِّ فَالنَّصْرَانِيُّ مِثْلُهُ فِي الْإِنْجِيلِ، وَالْمَجُوسِيُّ فِي النَّارِ، لِأَنَّ النَّصْرَانِيَّ يُعَظِّمُ الْإِنْجِيلَ، وَالْمَجُوسِيَّ يُعَظِّمُ النَّارَ كَتَعْظِيمِ الْيَهُودِيِّ التَّوْرَاةَ، فَيُحَلِّفُهُمْ بِمَا يَكُونُ أَعْظَمُ فِي صُدُورِهِمْ، وَالْمَذْكُورُ فِي الْمَجُوسِيِّ قَوْلُ مُحَمَّدٍ. أَمَّا عِنْدَهُمَا يَحْلِفُ بِاللَّهِ لَا غَيْرُ؛ لِأَنَّ التَّغْلِيظَ بِغَيْرِ اللَّهِ تَعَالَى لَا يَجُوزُ، وَلِأَنَّ ذِكْرَ النَّارِ مَعَ ذِكْرِ اللَّهِ تَعَالَى تَعْظِيمٌ لَهَا، وَلَا يَجُوزُ، إِلَّا أَنَّ الْيَهُودِيَّ وَالنَّصْرَانِيَّ وَرَدَ فِيهِمَا نَصٌّ خَاصٌّ، وَلِأَنَّ كُتُبَ اللَّهِ تَعَالَى مُعَظَّمَةٌ. وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: أَنَّهُ لَا يَحْلِفُ أَحَدٌ إِلَّا بِاللَّهِ خَالِصًا.
(وَ) يَحْلِفُ. (الْوَثَنِيُّ بِاللَّهِ) لِأَنَّهُمْ يَعْتَقِدُونَ اللَّهَ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ} [لقمان: ٢٥] وَلَا يُسْتَحْلَفُ بِاللَّهِ الَّذِي خَلَقَ الْوَثَنَ وَالصَّنَمَ لِمَا مَرَّ، وَلَوِ اقْتَصَرَ فِي الْكُلِّ عَلَى قَوْلِهِ بِاللَّهِ فَهُوَ كَافٍ؛ لِأَنَّ الزِّيَادَةَ لِلتَّأْكِيدِ كَمَا قُلْنَا فِي الْمُسْلِمِ، وَإِنَّمَا يُغَلَّظُ لِيَكُونَ أَعْظَمَ فِي قُلُوبِهِمْ، فَلَا يَتَجَاسَرُونَ عَلَى الْيَمِينِ الْكَاذِبَةِ.
قَالَ: (وَلَا يُحَلَّفُونَ فِي بُيُوتِ عِبَادَاتِهِمْ) لِأَنَّ الْغَرَضَ الْيَمِينُ بِاللَّهِ، وَلِأَنَّ ذَلِكَ يُشْعِرُ بِتَعْظِيمِهَا وَلَا يَجُوزُ؛ وَلِأَنَّ الْمُسْلِمَ مَمْنُوعٌ مِنْ دُخُولِهَا. وَيُسْتَحْلَفُ الْأَخْرَسُ فَيَقُولُ لَهُ الْقَاضِي: عَلَيْكَ عَهْدُ اللَّهِ إِنْ كَانَ لِهَذَا عَلَيْكَ هَذَا الْحَقُّ، وَيُشِيرُ الْأَخْرَسُ بِرَأْسِهِ: أَيْ نَعَمْ.
ثُمَّ الِاسْتِحْلَافُ عَلَى نَوْعَيْنِ: عَلَى الْعُقُودِ الشَّرْعِيَّةِ وَالْأَفْعَالِ الْحِسِّيَّةِ؛ فَالْعُقُودُ الشَّرْعِيَّةُ:
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute