وَقَضَاءِ الدَّيْنِ، وَلَيْسَ لِلْوَكِيلِ أَنْ يُوَكِّلَ إِلَّا بِإِذْنِ الْمُوَكِّلِ أَوْ بِقَوْلِهِ: اعْمَلْ بِرَأْيِكَ، وَإِنْ وَكَّلَ بِغَيْرِ أَمْرِهِ فَعَقَدَ الثَّانِي بِحَضْرَةِ الْأَوَّلِ جَازَ، وَلِلْمُوَكِّلِ عَزْلُ وَكِيلِهِ، وَيَتَوَقَّفُ عَلَى عِلْمِهِ وَتَبْطُلُ الْوَكَالَةُ بِمَوْتِ أَحَدِهِمَا وَجُنُونِهِ جُنُونًا مُطْبِقًا، وَلَحَاقِهِ بِدَارِ الْحَرْبِ مُرْتَدًّا. وَإِذَا عَجَزَ الْمُكَاتَبُ أَوْ حُجِرَ
ــ
[الاختيار لتعليل المختار]
وَقَضَاءُ الدَّيْنِ) لِأَنَّ اجْتِمَاعَ الرَّأْيِ لَا تَأْثِيرَ لَهُ فِي ذَلِكَ.
قَالَ: (وَلَيْسَ لِلْوَكِيلِ أَنْ يُوَكِّلَ إِلَّا بِإِذْنِ الْمُوَكِّلِ أَوْ بِقَوْلِهِ اعْمَلْ بِرَأْيِكَ) لِأَنَّهُ مَا رَضِيَ إِلَّا بِرَأْيِهِ وَالنَّاسُ يَتَفَاوَتُونَ فِي الْآرَاءِ، فَإِذَا أَذِنَ لَهُ أَوْ قَالَ اعْمَلْ بِرَأْيِكَ فَقَدْ فَوَّضَ إِلَيْكَ الْأَمْرَ مُطْلَقًا وَرَضِيَ بِذَلِكَ، فَإِذَا أَجَازَ كَانَ وَكِيلًا عَنِ الْمُوَكِّلِ الْأَوَّلِ لِأَنَّهُ يَعْمَلُ لَهُ وَلَا يَنْعَزِلُ بِعَزْلِ الْوَكِيلِ الْأَوَّلِ وَلَا بِمَوْتِهِ، وَهُوَ نَظِيرُ الْقَاضِي إِذَا اسْتَخْلَفَ قَاضِيًا، وَقَدْ مَرَّ.
(وَإِنْ وَكَّلَ بِغَيْرِ أَمْرِهِ فَعَقَدَ الثَّانِي بِحَضْرَةِ الْأَوَّلِ جَازَ) وَقَالَ زُفَرُ: لَا يَجُوزُ لِأَنَّ التَّوْكِيلَ مَا صَحَّ فَصَارَ كَمَا إِذَا عُقِدَ بِغَيْبَتِهِ. وَلَنَا أَنَّهُ إِنَّمَا جَازَ بِرَأْيِهِ وَالْمُوَكِّلُ رَاضٍ بِهِ، وَكَذَا إِذَا عَقَدَ فِي غَيْبَةِ الْأَوَّلِ فَأَجَازَ، وَهَكَذَا كُلُّ عَقْدِ مُعَاوَضَةٍ، وَمَا لَيْسَ بِمُعَاوَضَةٍ كَالنِّكَاحِ وَالطَّلَاقِ لَا يَجُوزُ بِإِجَازَتِهِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَتَوَقَّفُ عَلَى إِجَازَةِ الْوَكِيلِ؛ لِأَنَّهُ سَفِيرٌ لَا يَتَعَلَّقُ بِهِ حُقُوقُ الْعَقْدِ، بَلْ يَتَوَقَّفُ عَلَى إِجَازَةِ الْمُوَكِّلِ وَقَدْ عُرِفَ.
قَالَ: (وَلِلْمُوَكِّلِ عَزْلُ وَكِيلِهِ) لِأَنَّ الْوَكَالَةَ حَقُّهُ فَلَهُ أَنْ يُبْطِلَهَا، إِلَّا أَنْ يَتَعَلَّقَ بِهَا حَقُّ الْغَيْرِ كَالْوَكَالَةِ الْمَشْرُوطَةِ فِي بَيْعِ الرَّهْنِ وَنَحْوِهِ، فَلَيْسَ لَهُ عَزْلُهُ لِمَا فِيهِ مِنْ إِبْطَالِ حَقِّ الْغَيْرِ.
(وَيَتَوَقَّفُ عَلَى عِلْمِهِ) اعْتِبَارًا بِنَهْيِ صَاحِبِ الشَّرْعِ؛ وَلِأَنَّهُ لَوِ انْعَزَلَ بِدُونِ عِلْمِهِ يَتَضَرَّرُ، لَأَنَّ الْحُقُوقَ تَرْجِعُ إِلَيْهِ فَيَتَصَرَّفُ فِي مَالِ الْمُوَكِّلِ بِنَاءً عَلَى الْوَكَالَةِ فَيَنْقُدُ الثَّمَنَ وَيُسَلِّمُ الْمَبِيعَ فَيَضْمَنُهُ، وَأَنَّهُ ضَرَرٌ بِهِ وَهُوَ نَظِيرُ الْحَجْرِ عَلَى الْمَأْذُونِ، وَكَذَلِكَ لَوْ عَزَلَ الْوَكِيلُ نَفْسَهُ لَا يَنْعَزِلُ بِدُونِ عِلْمِ الْمُوَكِّلِ؛ لِأَنَّهُ عَقْدٌ تَمَّ بِهِمَا، وَقَدْ تَعَلَّقَ بِهِ حَقُّ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا، فَفِي إِبْطَالِهِ بِدُونِ عِلْمِ أَحَدِهِمَا إِضْرَارٌ بِهِ؛ قَالَ: (وَتَبْطُلُ الْوَكَالَةُ بِمَوْتِ أَحَدِهِمَا وَجُنُونِهِ جُنُونًا مُطْبِقًا وَلَحَاقَهُ بِدَارِ الْحَرْبِ مُرْتَدًّا) ؛ أَمَّا الْمَوْتُ فَلِإِبْطَالِ الْأَهْلِيَّةِ؛ وَلِأَنَّ الْأَمْرَ يَبْطُلُ بِالْمَوْتِ، وَكَذَلِكَ الْجُنُونُ، وَكَذَلِكَ مِلْكُ الْمُوَكِّلِ يَزُولُ بِمَوْتِهِ إِلَى الْوَرَثَةِ، وَاللَّحَاقُ مَعَ الرِّدَّةِ مَوْتٌ حُكْمًا، وَلَوْ جُنَّ يَوْمًا وَيُفِيقُ يَوْمًا لَا يَبْطُلُ لِأَنَّهُ فِي مَعْنَى الْإِغْمَاءِ؛ لِأَنَّهُ عَجْزٌ يَحْتَمِلُ الزَّوَالَ كَالْعَجْزِ بِالنَّوْمِ وَالْإِغْمَاءِ. وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ لَا يَنْعَزِلُ حَتَّى يُجَنَّ أَكْثَرَ السَّنَةِ، لِأَنَّهُ مَتَى دَامَ كَذَلِكَ لَا يَزُولُ غَالِبًا فَصَارَ كَالْمَوْتِ، وَعَنْ مُحَمَّدٍ سُنَّةٌ وَهُوَ الصَّحِيحُ، لِأَنَّهُ " إِنْ كَانَ لِعِلَّةٍ أَوْ مَرَضٍ يَزُولُ أَوْ يَتَغَيَّرُ فِي سُنَّةٍ لِاشْتِمَالِهَا عَلَى الْفُصُولِ الْأَرْبَعَةِ مِنْ حَرَارَةِ الْهَوَاءِ وَبُرُودَتِهِ وَيُبْسِهِ وَرُطُوبَتِهِ، فَإِذَا لَمْ يَزَلْ فِيهَا فَالظَّاهِرُ دَوَامُهُ؛ وَلَوْ لَحِقَ الْمُوَكِّلُ أَوِ الْوَكِيلُ بِدَارِ الْحَرْبِ مُرْتَدًّا ثُمَّ عَادَ لَا تَعُودُ الْوَكَالَةُ لِلْحُكْمِ بِبُطْلَانِهَا. وَقَالَ مُحَمَّدٌ: تَعُودُ كَالْمَرِيضِ إِذَا بَرَأَ وَالْمَجْنُونِ إِذَا أَفَاقَ.
قَالَ: (وَإِذَا عَجَزَ الْمُكَاتِبُ أَوْ حُجِرَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute