للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَتَعَدَّى الْبَلَدَ وَالسِّلْعَةَ وَالْمُعَامِلَ الَذِي عَيَّنَهُ رَبُّ الْمَالِ، وَإِنْ وَقَّتَ لَهَا وَقْتًا بَطَلَتْ بِمُضِيِّهِ، وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُزَوِّجَ عَبْدًا وَلَا أَمَةً مِنْ مَالِ الْمُضَارَبَةِ، وَلَا يَشْتَرِيَ مَنْ يَعْتِقُ عَلَى رَبِّ الْمَالِ،

ــ

[الاختيار لتعليل المختار]

لَهُ الْإِقْرَاضُ ; لِأَنَّ الْإِطْلَاقَ فِيمَا هُوَ مِنْ أُمُورِ التِّجَارَةِ لَا غَيْرُ.

قَالَ: (وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَتَعَدَّى الْبَلَدَ وَالسِّلْعَةَ وَالْمُعَامِلَ الَّذِي عَيَّنَهُ رَبُّ الْمَالِ) لِمَا رَوَيْنَا مِنْ حَدِيثِ الْعَبَّاسِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -. وَعَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ دَفَعَ الْمَالَ مُضَارَبَةً وَقَالَ: لَا تُسْلِفْ مَالَنَا فِي الْحَيَوَانِ، وَلِأَنَّهَا وِكَالَةٌ، وَفِي التَّخْصِيصِ فَائِدَةٌ فَيَتَخَصَّصُ، وَلَوْ خَالَفَهُ كَانَ مُشْتَرِيًا لِنَفْسِهِ وَرِبْحُهُ لَهُ ; لِأَنَّهُ لَمَّا خَالَفَ صَارَ غَاصِبًا فَأَخَذَ حُكْمَ الْغَصْبِ، ثُمَّ قِيلَ: يُضَمَّنُ بِنَفْسِ الْإِخْرَاجِ مِنَ الْبَلَدِ لِوُجُودِ الْمُخَالَفَةِ، وَقِيلَ: لَا يُضَمَّنُ مَا لَمْ يَشْتَرِ لِاحْتِمَالِ عَوْدِهِ إِلَى الْبَلَدِ قَبْلَ الشِّرَاءِ، فَإِذَا عَادَ زَالَ الضَّمَانُ وَصَارَ مُضَارَبَةً عَلَى حَالِهِ بِالْعَقْدِ الْأَوَّلِ كَالْمُودَعِ إِذَا خَالَفَ ثُمَّ عَادَ.

وَالْمُضَارَبَةُ نَوْعَانِ: عَامَّةٌ، وَخَاصَّةٌ. فَالْعَامَّةُ نَوْعَانِ: أَحَدُهُمَا أَنْ يَدْفَعَ الْمَالَ إِلَيْهِ مُضَارَبَةً وَلَمْ يَقُلْ لَهُ اعْمَلْ بِرَأْيِكَ، فَيَمْلِكُ جَمِيعَ التَّصَرُّفَاتِ الَّتِي يَحْتَاجُ إِلَيْهَا فِي التِّجَارَةِ وَيَدْخُلُ فِيهِ الرَّهْنُ وَالِارْتِهَانُ وَالِاسْتِئْجَارُ وَالْحَطُّ بِالْعَيْبِ وَالِاحْتِيَالُ بِمَالِ الْمُضَارَبَةِ، وَكُلُّ مَا يَعْمَلُهُ التُّجَّارُ غَيْرَ التَّبَرُّعَاتِ وَالْمُضَارَبَةِ وَالشَّرِكَةِ وَالْخَلْطِ وَالِاسْتِدَانَةِ عَلَى الْمُضَارَبَةِ، وَقَدْ مَرَّ الْوَجْهُ فِيهِ.

وَالثَّانِي أَنْ يَقُولَ لَهُ: اعْمَلْ بِرَأْيِكَ، فَيَجُوزُ لَهُ مَا ذَكَرْنَا مِنَ التَّصَرُّفَاتِ وَالْمُضَارَبَةِ وَالشَّرِكَةِ وَالْخَلْطِ ; لِأَنَّ ذَلِكَ مِمَّا يَفْعَلُهُ التُّجَّارُ، وَلَيْسَ لَهُ الْإِقْرَاضُ وَالتَّبَرُّعَاتُ ; لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنَ التِّجَارَةِ فَلَا يَتَنَاوَلُهُ الْأَمْرُ.

وَالْخَاصَّةُ ثَلَاثَةُ أَنْوَاعٍ: أَحَدُهَا أَنْ يَخُصَّهُ بِبَلَدٍ فَيَقُولَ: عَلَى أَنْ تَعْمَلَ بِالْكُوفَةِ أَوْ بِالْبَصْرَةِ.

وَالثَّانِي أَنْ يَخُصَّهُ بِشَخْصٍ بِعَيْنِهِ بِأَنْ يَقُولَ: عَلَى أَنْ تَبِيعَ مِنْ فُلَانٍ وَتَشْتَرِيَ مِنْهُ، فَلَا يَجُوزُ التَّصَرُّفُ مَعَ غَيْرِهِ لِأَنَّهُ قَيْدٌ مُفِيدٌ لِجَوَازِ وُثُوقِهِ بِهِ فِي الْمُعَامَلَاتِ.

الثَّالِثُ أَنْ يَخُصَّهُ بِنَوْعٍ مِنْ أَنْوَاعِ التِّجَارَاتِ بِأَنْ يَقُولَ لَهُ: عَلَى أَنْ تَعْمَلَ بِهِ مُضَارَبَةً فِي الْبَزِّ أَوْ فِي الطَّعَامِ أَوْ فِي الصَّرْفِ وَنَحْوِهِ، وَفِي كُلِّ ذَلِكَ يَتَقَيَّدُ بِأَمْرِهِ وَلَا يَجُوزُ لَهُ مُخَالَفَتُهُ ; لِأَنَّهُ مُقَيَّدٌ وَقَدْ مَرَّ الْوَجْهُ فِيهِ، وَلَوْ قَالَ: عَلَى أَنْ تَعْمَلَ بِسُوقِ الْكُوفَةِ فَعَمِلَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ مِنْهَا جَازَ ; لِأَنَّ أَمَاكِنَ الْمِصْرِ كُلَّهَا سَوَاءٌ فِي السَّفَرِ وَالنَّقْدِ وَالْأَمْنِ، وَلَوْ قَالَ: لَا تَعْمَلْ إِلَّا فِي سُوقٍ فَعَمِلَ فِي غَيْرِهِ ضَمِنَ لِأَنَّهُ صَرَّحَ بِالنَّهْيِ، وَلَوْ دَفَعَ الْمَالَ مُضَارَبَةً فِي الْكُوفَةِ عَلَى أَنْ يَشْتَرِيَ مِنْ أَهْلِهَا فَاشْتَرَى مِنْ غَيْرِهِمْ فِيهَا جَازَ ; لِأَنَّ الْمَقْصُودَ الْمَكَانُ عُرْفًا، وَكَذَلِكَ لَوْ دَفَعَهُ مُضَارَبَةً فِي الصَّرْفِ عَلَى أَنْ يَشْتَرِيَ مِنَ الصَّيَارِفَةِ وَيَبِيعَهُمْ فَاشْتَرَى مِنْ غَيْرِهِمْ جَازَ لِأَنَّ الْمُرَادَ النَّوْعُ عُرْفًا. قَالَ: (وَإِنْ وَقَّتَ لَهَا وَقْتًا بَطَلَتْ بِمُضِيِّهِ) ; لِأَنَّ التَّوْقِيتَ مُقَيَّدٌ وَهُوَ وَكِيلٌ فَيَتَقَيَّدُ بِمَا وَقَّتَهُ كَالتَّقْيِيدِ بِالنَّوْعِ وَالْبَلَدِ.

قَالَ: (وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُزَوِّجَ عَبْدًا وَلَا أَمَةً مِنْ مَالِ الْمُضَارَبَةِ) وَهُوَ عَلَى الْخِلَافِ الَّذِي مَرَّ فِي الْمَأْذُونِ. قَالَ: (وَلَا يَشْتَرِي مَنْ يَعْتِقُ عَلَى رَبِّ الْمَالِ) ; لِأَنَّهُ يَعْتِقُ

<<  <  ج: ص:  >  >>