للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وَإِنْ كَانَتْ فِي يَدِهِ مَلَكَهَا بِمُجَرَّدِ الْهِبَةِ، وَهِبَةُ الْأَبِ لِابْنِهِ الصَّغِيرِ تَتِمُّ بِمُجَرَّدِ الْعَقْدِ، وَيَمْلِكُ الصَّغِيرُ الْهِبَةَ بِقَبْضِ وَلِيِّهِ وَأُمِّهِ وَبِقَبْضِهِ بِنَفْسِهِ وَتَنْعَقِدُ الْهِبَةُ بِقَوْلِهِ: وَهَبْتُ وَنَحَلْتُ وَأَعْطَيْتُ وَأَطْعَمْتُكَ هَذَا الطَّعَامَ وَأَعْمَرْتُكَ، وَحَمَلْتُكَ عَلَى هَذِهِ الدَّابَّةِ إِذَا نَوَى الْهِبَةَ، وَكَسَوْتُكَ هَذَا الثَّوْبَ، وَهِبَةُ الْمُشَاعِ فِيمَا لَا يُقْسَمُ جَائِزَةٌ،

ــ

[الاختيار لتعليل المختار]

قَبْلَ الْقَبْضِ.

قَالَ: (وَإِنْ كَانَتْ فِي يَدِهِ) كَالْمُودَعِ وَالْمُسْتَعِيرِ وَالْمُسْتَأْجِرِ وَالْغَاصِبِ (مَلَكَهَا بِمُجَرَّدِ الْهِبَةِ) ; لِأَنَّهُ إِنْ كَانَ قَبَضَهَا أَمَانَةً فَيَنُوبُ عَنِ الْهِبَةِ، وَإِنْ كَانَ ضَمَانًا فَهُوَ أَقْوَى مِنْ قَبْضِ الْهِبَةِ، وَالْأَقْوَى يَنُوبُ عَنِ الْأَدْنَى، وَلَوْ وَهَبَ مِنْ رَجُلٍ ثَوْبًا فَقَالَ: قَبَضْتُهُ صَارَ قَابِضًا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَجَعَلَ تَمَكُّنَهُ مِنَ الْقَبْضِ كَالتَّخْلِيَةِ فِي الْبَيْعِ. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: لَا بُدَّ مِنَ الْقَبْضِ بِيَدِهِ، وَلَوْ قَبَضَ الْمَوْهُوبُ لَهُ الْهِبَةَ وَلَمْ يَقُلْ: قَبِلْتُ صَحَّتِ الْهِبَةُ.

قَالَ: (وَهِبَةُ الْأَبِ لِابْنِهِ الصَّغِيرِ تَتِمُّ بِمُجَرَّدِ الْعَقْدِ) ; لِأَنَّهَا فِي يَدِ الْأَبِ وَهُوَ الَّذِي يَقْبِضُ لَهُ فَكَانَ قَبْضُهُ كَقَبْضِهِ، وَكُلُّ مَنْ يَعُولُهُ فِي هَذَا كَالْأَبِ، وَلَوْ وَهَبَ لِابْنِهِ الْكَبِيرِ وَهُوَ فِي عِيَالِهِ فَلَا بُدَّ مِنْ قَبْضِهِ ; لِأَنَّهُ لَا وِلَايَةَ لَهُ عَلَيْهِ فَلَا يَقْبِضُ لَهُ.

قَالَ: (وَيَمْلِكُ الصَّغِيرُ الْهِبَةَ بِقَبْضِ وَلَيِّهِ وَأُمِّهِ وَبِقَبْضِهِ بِنَفْسِهِ) مَعْنَاهُ: إِذَا وَهَبَهُ أَجْنَبِيٌّ فَالْوَلِيُّ كَالْأَبِ وَوَصِّيهِ وَالْجَدِّ وَوَصِّيهِ لِقِيَامِهِمْ مَقَامَ الْأَبِ، وَكَذَا إِذَا كَانَ فِي حِجْرِ أَجْنَبِيٍّ يُرَبِّيهِ كَاللَّقِيطِ وَقَدْ بَيَّنَّاهُ، وَالْأُمُّ لَهَا وِلَايَةُ حِفْظِهِ، وَهَذَا مِنْهُ؛ لِأَنَّهُ لَا بَقَاءَ لَهُ بِدُونِ الْمَالِ فَاحْتَاجَتْ إِلَى وِلَايَةِ التَّحْصِيلِ وَهَذَا مِنْهُ. وَأَمَّا قَبْضُهُ بِنَفْسِهِ فَمَعْنَاهُ إِذَا كَانَ عَاقِلًا؛ لِأَنَّهُ تَصَرُّفٌ نَافِعٌ وَهُوَ مِنْ أَهْلِهِ، وَيَجُوزُ قَبْضُ الزَّوْجِ لِزَوْجَتِهِ الصَّغِيرَةِ بَعْدَ مَا زُفَّتْ إِلَيْهِ ; لِأَنَّ الْأَبَ فَوَّضَ أَمْرَهَا إِلَيْهِ وَذَلِكَ بَعْدَ الزِّفَافِ لَا قَبْلَهُ حَتَّى يَمْلِكَهُ بِحَضْرَةِ الْأَبِ.

قَالَ: (وَتَنْعَقِدُ الْهِبَةُ بِقَوْلِهِ: وَهَبْتُ) ; لِأَنَّهُ صَرِيحٌ فِيهِ (وَنَحَلْتُ) لِكَثْرَةِ اسْتِعْمَالِهَا فِيهِ، قَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «أَكُلُّ وَلَدِكَ نَحَلْتَهُ هَكَذَا» (وَأَعْطَيْتُ) صَرِيحٌ أَيْضًا (وَأَطْعَمْتُكَ هَذَا الطَّعَامَ) ؛ لِأَنَّ الْإِطْعَامَ صَرِيحٌ فِي الْهِبَةِ إِذَا أُضِيفَ إِلَى الْمَطْعُومِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُطْعِمُهُ إِلَّا بِالْأَكْلِ وَلَا أَكْلَ إِلَّا بِالْمِلْكِ، وَلَوْ قَالَ: أَطْعَمْتُكَ هَذِهِ الْأَرْضَ. فَهُوَ عَارِيَّةٌ ; لِأَنَّهَا لَا تُطْعَمُ (وَأَعْمَرْتُكَ) هَذَا الشَّيْءَ وَجَعَلْتُ هَذِهِ الدَّارَ لَكَ عُمْرَى، قَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «مَنْ أُعْمِرَ عُمْرَى فَهِيَ لِلْمُعْمَرِ لَهُ وَلِوَرَثَتِهِ مِنْ بَعْدِهِ» (وَحَمَلْتُكَ عَلَى هَذِهِ الدَّابَّةِ إِذَا نَوَى الْهِبَةَ) ; لِأَنَّ الْمُرَادَ بِهِ الْإِرْكَابُ حَقِيقَةً وَيُسْتَعْمَلُ فِي الْهِبَةِ، يُقَالُ: حَمَلَ الْأَمِيرُ فُلَانًا عَلَى فَرَسٍ: أَيْ وَهَبَهُ فَيُحْمَلُ عَلَيْهِ عَقْدُ الْهِبَةِ (وَكَسَوْتُكَ هَذَا الثَّوْبَ) قَالَ - تَعَالَى -: {أَوْ كِسْوَتُهُمْ} [المائدة: ٨٩] أَرَادَ تَمْلِيكَهُمُ الْكِسْوَةَ، وَيُقَالُ: كَسَاهُ ثَوْبًا إِذَا وَهَبَهُ، وَلَوْ قَالَ: مَنَحْتُكَ هَذِهِ الدَّارَ أَوْ هَذِهِ الْجَارِيَةَ فَهِيَ عَارِيَةٌ إِلَّا أَنْ يَنْوِيَ الْهِبَةَ، وَلَوْ قَالَ ذَلِكَ فِيمَا لَا يُمْكِنُ الِانْتِفَاعُ بِهِ مَعَ بَقَاءِ عَيْنِهِ فَهُوَ هِبَةٌ كَالدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ وَالْمَطْعُومِ وَالْمَشْرُوبِ. قَالَ: (وَهِبَةُ الْمُشَاعِ فِيمَا لَا يُقَسَّمُ جَائِزَةٌ،

<<  <  ج: ص:  >  >>