وَيَجُوزُ لِلْوَلِيِّ إِنْكَاحُ الصَّغِيرِ وَالصَّغِيرَةِ وَالْمَجْنُونَةِ. ثُمَ إِنْ كَانَ الْمُزَوِّجُ أَبًا أَوْ جَدًّا فَلَا خِيَارَ لَهُمَا بَعْدَ الْبُلُوغِ، وَإِنْ زَوَّجَهُمَا غَيْرُهُمَا فَلَهُمَا الْخِيَارُ (س) .
ــ
[الاختيار لتعليل المختار]
فَبَلَغَهَا فَرَدَّتْ، ثُمَّ قَالَ لَهَا: إِنَّ جَمَاعَةً يَخْطُبُونَكِ، فَقَالَتْ: أَنَا رَاضِيَةٌ بِمَا تَفْعَلُ، فَزَوَّجَهَا الْأَوَّلَ - لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّ قَوْلَهَا: أَنَا رَاضِيَةٌ بِمَا تَفْعَلُ - يَنْصَرِفُ إِلَى غَيْرِهِ دَلَالَةً، وَمِثْلُهُ لَوْ قَالَ لِرَجُلٍ: كَرِهْتُ صُحْبَةَ فُلَانَةَ، فَطَلَّقْتُهَا، فَزَوِّجْنِي امْرَأَةً، فَزَوَّجَهُ تِلْكَ الْمَرْأَةَ - لَا يَجُوزُ. وَكَذَلِكَ لَوْ بَاعَ عَبْدَهُ، ثُمَّ أَمَرَ إِنْسَانًا أَنْ يَشْتَرِيَ لَهُ عَبْدًا، فَاشْتَرَى ذَلِكَ الْعَبْدَ - لَا يَجُوزُ.
قَالَ: (وَيَجُوزُ لِلْوَلِيِّ إِنْكَاحُ الصَّغِيرِ وَالصَّغِيرَةِ وَالْمَجْنُونَةِ) ؛ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «أَلَا، لَا يُزَوِّجُ النِّسَاءَ إِلَّا الْأَوْلِيَاءُ، وَلَا يُزَوَّجْنَ إِلَّا مِنَ الْأَكْفَاءِ» . وَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «النِّكَاحُ إِلَى الْعَصَبَاتِ» ، وَالْبَالِغَاتُ خَرَجْنَ بِمَا سَبَقَ مِنَ الْأَحَادِيثِ، فَبَقِيَ الصِّغَارُ ".
«وَالنَّبِيُّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - تَزَوَّجَ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - وَهِيَ بِنْتُ سَبْعِ سِنِينَ، وَبَنَى بِهَا وَهِيَ بِنْتُ تِسْعٍ» ، وَعَلِيٌّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - زَوَّجَ ابْنَتَهُ أُمَّ كُلْثُومٍ مِنْ عُمَرَ وَهِيَ صَغِيرَةٌ. وَلِأَنَّ النِّكَاحَ يَتَضَمَّنُ الْمَصَالِحَ، وَذَلِكَ يَكُونُ بَيْنَ الْمُتَكَافِئِينَ، وَالْكُفْءُ لَا يَتَّفِقُ فِي كُلِّ وَقْتٍ، فَمَسَّتِ الْحَاجَةُ إِلَى إِثْبَاتِ الْوِلَايَةِ عَلَى الصِّغَارِ تَحْصِيلًا لِلْمَصْلَحَةِ وَإِعْدَادًا لِلْكُفْءِ إِلَى وَقْتِ الْحَاجَةِ، وَالْقَرَابَةُ مُوجِبَةٌ لِلنَّظَرِ وَالشَّفَقَةِ، فَيَنْتَظِمُ الْجَمِيعُ، إِلَّا أَنَّ شَفَقَةَ الْأَبِ وَالْجَدِّ أَكْثَرُ، فَيَكُونُ عَقْدُهُمَا مِمَّا لَا خِيَارَ فِيهِ، وَشَفَقَةَ غَيْرِهِمَا لَمَّا قَصَّرَتْ عَنْهُمَا قُلْنَا بِالِانْعِقَادِ وَثُبُوتِ الْخِيَارِ عِنْدَ الْبُلُوغِ، فَإِنْ رَآهُ غَيْرَ مَصْلَحَةٍ فَسَخَهُ.
(ثُمَّ إِنْ كَانَ الْمُزَوِّجُ أَبًا أَوْ جَدًّا فَلَا خِيَارَ لَهُمَا بَعْدَ الْبُلُوغِ) ؛ لِوُفُورِ شَفَقَتِهِمَا، وَشِدَّةِ حِرْصِهِمَا عَلَى نَفْعِهِمْ، فَكَأَنَّهُمْ بَاشَرُوهُ بِأَنْفُسِهِمْ. وَلِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَا خَيَّرَ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - حِينَ بَلَغَتْ.
(وَإِنْ زَوَّجَهُمَا غَيْرُهُمَا فَلَهُمَا الْخِيَارُ) ؛ إِنْ شَاءَا أَقَامَا عَلَى النِّكَاحِ، وَإِنْ شَاءَا فَسَخَا. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: لَا خِيَارَ لَهُمَا كَالْأَبِ وَالْجَدِّ. وَجَوَابُهُ مَا ذَكَرْنَا مِنْ قُصُورِ شَفَقَتِهِمْ عَنْ شَفَقَةِ الْأَبِ وَالْجَدِّ، وَذَلِكَ مَظِنَّةُ وُقُوعِ الْخَلَلِ فِي الْمَقْصُودِ مِنَ النِّكَاحِ، فَيَثْبُتُ الْخِيَارُ؛ لِدَفْعِ الْخَلَلِ لَوْ كَانَ. ثُمَّ سُكُوتُ الْبِكْرِ عِنْدَ بُلُوغِهَا رِضًا إِذَا عَلِمَتْ بِالنِّكَاحِ، وَلَا يَمْتَدُّ إِلَى آخِرِ الْمَجْلِسِ كَمَا فِي الِابْتِدَاءِ.
وَلَوْ بَلَغَتْ بَعْدَ الدُّخُولِ فَلَا بُدَّ مِنَ الْقَوْلِ وَالتَّصْرِيحِ بِالرِّضَا أَوْ بِالرَّدِّ؛ لِأَنَّهَا ثَيِّبٌ كَمَا فِي الِابْتِدَاءِ، وَكَذَا الْغُلَامُ.
وَلَا بُدَّ فِي الْفَسْخِ مِنَ الْقَضَاءِ؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ قَدْ تَمَّ، وَثَبَتَتْ أَحْكَامُهُ، فَلَا يَرْتَفِعُ إِلَّا بِرَفْعِ مَنْ لَهُ وِلَايَةٌ وَهُوَ الْقَاضِي أَوْ بِتَرَاضِيهِمَا. وَلِأَنَّهُ لِرَفْعِ ضَرَرٍ خَفِيٍّ، وَهُوَ وُقُوعُ الْخَلَلِ فِي الْعَقْدِ، فَيَكُونُ إِلْزَامًا، فَاحْتَاجَ إِلَى الْقَضَاءِ. وَيَشْمَلُ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى؛ لِشُمُولِ الْمَعْنَى لَهُمَا.
وَيُشْتَرَطُ عِلْمُهُمَا بِالنِّكَاحِ دُونَ الْحَكَمِ؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ يَنْفَرِدُ بِهِ الْوَلِيُّ فَيُعْذَرَانِ فِي الْجَهْلِ. أَمَّا الْحَكَمُ فَالدَّارُ دَارُ الْإِسْلَامِ فَلَا عُذْرَ فِي الْجَهْلِ، بِخِلَافِ خِيَارِ الْعِتْقِ حَيْثُ لَا يَحْتَاجُ إِلَى الْقَضَاءِ؛ لِأَنَّهُ دَفْعُ ضَرَرٍ ظَاهِرٍ، وَهُوَ زِيَادَةُ الْمِلْكِ. وَيَقْتَصِرُ عَلَى الْأُنْثَى؛ لِأَنَّ زِيَادَةَ الْمِلْكِ فِي حَقِّهَا دُونَهُ، وَيَمْتَدُّ إِلَى آخِرِ الْمَجْلِسِ؛ لِأَنَّهُ جَوَابُ التَّمْلِيكِ، قَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: