إِذَا وُجِدَ فِي مُدَّتِهِ، وَهِيَ ثَلَاثُونَ (سم) شَهْرًا. وَيَحْرُمُ مِنَ الرَّضَاعِ مَا يَحْرُمُ مِنَ النَّسَبِ إِلَّا أُخْتَ ابْنِهِ وَأُمَّ أُخْتِهِ. وَإِذَا أَرْضَعَتِ الْمَرْأَةُ صَبِيَّةً حَرُمَتْ عَلَى زَوْجِهَا وَآبَائِهِ وَأَبْنَائِهِ.
ــ
[الاختيار لتعليل المختار]
قَالَ: (إِذَا وُجِدَ فِي مُدَّتِهِ، وَهِيَ ثَلَاثُونَ شَهْرًا. وَقَالَا: سَنَتَانِ؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ} [البقرة: ٢٣٣] ، وَقَالَ تَعَالَى: {وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلاثُونَ شَهْرًا} [الأحقاف: ١٥] ، وَأَدْنَى مُدَّةِ الْحَمْلِ سِتَّةُ أَشْهُرٍ، فَبَقِيَ لِلْفِصَالِ سَنَتَانِ.
وَلِأَبِي حَنِيفَةَ الْآيَةُ الثَّانِيَةُ، وَالتَّمَسُّكُ بِهَا أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى ذَكَرَ الْحَمْلَ وَالْفِصَالَ، وَضَرَبَ لَهُمَا مُدَّةَ ثَلَاثِينَ شَهْرًا، فَتَكُونُ مُدَّةً لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا، كَمَا إِذَا بَاعَهُ عَبْدًا وَأَمَةً إِلَى شَهْرٍ، فَإِنَّ الشَّهْرَ يَكُونُ أَجَلًا لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا. وَكَذَا لَوْ بَاعَهُ شَيْئًا، وَأَجَرَهُ شَيْئًا آخَرَ صَفْقَةً وَاحِدَةً إِلَى مُدَّةٍ مَعْلُومَةٍ - كَانَتِ الْمُدَّةُ أَجَلًا لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا، فَعُلِمَ أَنَّ الْآيَةَ تَقْتَضِي أَنْ يَكُونَ الثَّلَاثُونَ شَهْرًا أَجَلًا لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنَ الْحَمْلِ وَالْفِصَالِ. خَرَجَ الْحَمْلُ عَنْ ذَلِكَ، فَبَقِيَ الْفِصَالُ عَلَى مُقْتَضَاهُ. وَالْآيَةُ الْأُولَى مَحْمُولَةٌ عَلَى مُدَّةِ الِاسْتِحْقَاقِ حَتَّى لَا يَكُونَ لِلْأُمِّ الْمَبْتُوتَةِ الْمُطَالَبَةُ بِأُجْرَةِ الرَّضَاعِ بَعْدَ الْحَوْلَيْنِ، فَعَمِلْنَا بِالْآيَةِ الْأُولَى فِي نَفْيِ الْأُجْرَةِ بَعْدَ الْحَوْلَيْنِ، وَبِالثَّانِيَةِ فِي الْحُرْمَةِ إِلَى ثَلَاثِينَ شَهْرًا أَخْذًا بِالِاحْتِيَاطِ فِيهِمَا. أَوْ نَقُولُ: الْمُرَادُ الْحَمْلُ عَلَى الْأَكُفِّ فِي الْحِجْرِ حَالَةَ الْإِرْضَاعِ ; لِأَنَّ مُدَّةَ الْحَمْلِ غَيْرُ مُقَدَّرَةٍ بِثَلَاثِينَ شَهْرًا بِالْإِجْمَاعِ.
فَإِذَا انْقَضَتْ مُدَّتُهُ لَا اعْتِبَارَ بِالرَّضَاعِ بَعْدَهُ؛ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «لَا رَضَاعَ بَعْدَ الْفِصَالِ» . وَالْمُرَادُ حُكْمُهُ. وَهَلْ يُبَاحُ الْإِرْضَاعُ بَعْدَ الْمُدَّةِ؟ فِيهِ خِلَافٌ. وَالْمُحَرَّمُ مِنَ الْإِرْضَاعِ مَا وَقَعَ فِي الْمُدَّةِ، سَوَاءٌ فُطِمَ أَوْ لَمْ يُفْطَمْ. وَقَالَ الْخَصَّافُ، وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ: إِنِ اسْتَغْنَى بِالْفِطَامِ عَنِ اللَّبَنِ، ثُمَّ رَضَعَ فِي الْمُدَّةِ - لَا تَثْبُتُ الْحُرْمَةُ، وَإِنْ لَمْ يَسْتَغْنِ تَثْبُتُ.
قَالَ: (وَيَحْرُمُ مِنَ الرَّضَاعِ مَا يَحْرُمُ مِنَ النَّسَبِ) ؛ لِمَا رَوَيْنَا (إِلَّا أُخْتَ ابْنِهِ، وَأُمَّ أُخْتِهِ) فَإِنَّهَا تَحْرُمُ مِنَ النَّسَبِ دُونَ الرَّضَاعِ؛ لِأَنَّ فِي النَّسَبِ لَمَّا وَطِئَ أُمَّ ابْنِهِ فَقَدْ حَرُمَتْ عَلَيْهِ بَنَاتُهَا. وَأُمُّ أُخْتِهِ مَوْطُوءَةُ أَبِيهِ، وَلَمْ يُوجَدْ ذَلِكَ فِي الرَّضَاعِ.
قَالَ: (وَإِذَا أَرْضَعَتِ الْمَرْأَةُ صَبِيَّةً حَرُمَتْ عَلَى زَوْجِهَا وَآبَائِهِ وَأَبْنَائِهِ) ، فَتَكُونُ الْمُرْضِعَةُ أُمَّ الرَّضِيعِ وَأَوْلَادُهَا إِخْوَتَهُ وَأَخَوَاتُهُ مَنْ تَقَدَّمَ وَمَنْ تَأَخَّرَ، فَلَا يَجُوزُ أَنْ يَتَزَوَّجَ شَيْئًا مِنْ وَلَدِهَا وَوَلَدِ وَلَدِهَا وَإِنْ سَفُلُوا، وَآبَاؤُهَا أَجْدَادُهُ وَأُمَّهَاتُهَا جَدَّاتُهُ مِنْ قِبَلِ الْأُمِّ. وَإِخْوَتُهَا وَأَخَوَاتُهَا أَخْوَالُهُ وَخَالَاتُهُ. وَيَكُونُ زَوْجُهَا الَّذِي نَزَلَ مِنْهُ اللَّبَنُ أَبَ الْمُرْضِعَةِ، وَأَوْلَادُهُ إِخْوَتَهَا، وَآبَاؤُهُ وَأُمَّهَاتُهُ أَجْدَادَهَا وَجَدَّاتِهَا مِنْ قِبَلِ الْأَبِ، وَإِخْوَتُهُ وَأَخَوَاتُهُ أَعْمَامَهَا وَعَمَّاتِهَا، لَا تَحِلُّ مُنَاكَحَةُ أَحَدٍ مِنْهُنَّ كَمَا فِي النَّسَبِ، «قَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لِعَائِشَةَ: " لِيَلِجْ عَلَيْكِ أَفْلَحُ؛ فَإِنَّهُ عَمُّكِ مِنَ الرَّضَاعَةِ» .
وَلَوْ وَلَدَتْ مِنْ رَجُلٍ، وَأَرْضَعَتْ، ثُمَّ يَبِسَ اللَّبَنُ، ثُمَّ دَرَّ، فَأَرْضَعَتْ بِهِ صَبِيًّا - يَجُوزُ لِذَلِكَ الصَّبِيِّ أَنْ يَتَزَوَّجَ بِنْتَ الزَّوْجِ مِنْ غَيْرِهَا. وَكَذَا لَوْ لَمْ تَلِدْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute