وَإِذَا رَضَعَ صَبِيَّانِ مِنْ ثَدْيِ امْرَأَةٍ فَهُمَا أَخَوَانِ، وَإِنِ اجْتَمَعَا عَلَى لَبَنِ شَاةٍ فَلَا رَضَاعَ بَيْنَهُمَا. وَإِذَا اخْتَلَطَ اللَّبَنُ بِخِلَافِ جِنْسِهِ كَالْمَاءِ وَالدُّهْنِ وَالنَّبِيذِ وَالدَّوَاءِ وَلَبَنِ الْبَهَائِمِ فَالْحُكْمُ لِلْغَالِبِ، وَكَذَلِكَ إِنِ اخْتَلَطَ بِجِنْسِهِ بِأَنِ اخْتَلَطَ لَبَنُ امْرَأَتَيْنِ (م ز) . وَإِنِ اخْتَلَطَ بِالطَّعَامِ فَلَا حُكْمَ لَهُ. وَإِنْ غَلَبَ (سم) ،
ــ
[الاختيار لتعليل المختار]
مِنْهُ قَطُّ، فَنَزَلَ لَهَا لَبَنٌ. وَكَذَا لَبَنُ الْبِكْرِ إِذَا لَمْ تَتَزَوَّجْ إِذَا أَرْضَعَتْ بِهِ صَبِيًّا حَرُمَ عَلَيْهَا لَا غَيْرُ.
وَلَوْ أَرْضَعَتْ صَبِيَّةً لَا تَحْرُمُ عَلَى وَلَدِ زَوْجِهَا مِنْ غَيْرِهَا، وَلَا يَحِلُّ لِلرَّضِيعِ أَنْ يَتَزَوَّجَ امْرَأَةً وَطِئَهَا زَوْجُ الْمُرْضِعَةِ؛ لِأَنَّهَا مَنْكُوحَةُ الْأَبِ، وَلَا لِلزَّوْجِ أَنْ يَتَزَوَّجَ امْرَأَةً وَطِئَهَا الرَّضِيعُ؛ لِأَنَّهَا مَوْطُوءَةُ الِابْنِ كَمَا فِي النَّسَبِ.
قَالَ: (وَإِذَا رَضَعَ صَبِيَّانِ مِنْ ثَدْيِ امْرَأَةٍ فَهُمَا أَخَوَانِ) ؛ لِأَنَّ أُمَّهُمَا وَاحِدَةٌ. فَلَوْ كَانَا بِنْتَيْنِ لَا يَجُوزُ لِأَحَدٍ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا. وَكَذَا لَوْ كَانَ لِرَجُلٍ زَوْجَتَانِ، وَلَدَتَا مِنْهُ، ثُمَّ أَرْضَعَتْ كُلُّ وَاحِدَةٍ صَغِيرَةً - صَارَ الرَّضِيعَانِ أَخَوَيْنِ مِنْ أَبٍ.
(وَإِنِ اجْتَمَعَا عَلَى لَبَنِ شَاةٍ فَلَا رَضَاعَ بَيْنَهُمَا) ؛ لِأَنَّهُ لَمْ تَثْبُتِ الْحُرْمَةُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْأُمِّ لِتَنْتَقِلَ إِلَى الْأَخِ؛ إِذْ هِيَ الْأَصْلُ؛ لِأَنَّ الْحُرْمَةَ تَثْبُتُ فِي الْأُمِّ، ثُمَّ تَتَعَدَّى.
رَجُلٌ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ، وَلَهَا لَبَنٌ. فَتَزَوَّجَتْ آخَرَ، وَحَبِلَتْ، وَنَزَلَ لَهَا لَبَنٌ - فَهُوَ لِلْأَوَّلِ مَا لَمْ تَلِدْ. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: هُوَ مِنْهُمَا إِلَّا أَنْ يُعْرَفَ أَنَّهُ مِنَ الثَّانِي وَإِنَّهُ يُعْرَفُ بِالْغِلَظِ وَالرِّقَّةِ. وَقَالَ مُحَمَّدٌ: هُوَ مِنْهُمَا مَا لَمْ تَضَعْ، فَإِذَا وَضَعَتْ فَمِنَ الثَّانِي؛ لِأَنَّهُ مِنَ الْأَوَّلِ بِيَقِينٍ. وَاحْتُمِلَ كَوْنُهُ مِنَ الثَّانِي فَيُجْعَلُ مِنْهُمَا احْتِيَاطًا لِلْمُحَرَّمَاتِ. وَكَذَلِكَ يَقُولُ أَبُو يُوسُفَ، إِلَّا إِذَا عَرَفْنَا أَنَّهُ مِنَ الثَّانِي، فَيُجْعَلُ مِنْهُ.
وَأَبُو حَنِيفَةَ يَقُولُ: هُوَ مِنَ الْأَوَّلِ بِيَقِينٍ، وَوَقَعَ الشَّكُّ فِي كَوْنِهِ مِنَ الثَّانِي، وَالشَّكُّ لَا يُعَارِضُ الْيَقِينَ. فَإِذَا وَلَدَتْ تَيَقَّنَّا أَنَّهُ مِنَ الثَّانِي، وَلَا اعْتِبَارَ بِالْغِلَظِ وَالرِّقَّةِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ يَتَغَيَّرُ بِتَغَيُّرِ الْأَحْوَالِ وَالْأَغْذِيَةِ.
قَالَ: (وَإِذَا اخْتَلَطَ اللَّبَنُ بِخِلَافِ جِنْسِهِ كَالْمَاءِ وَالدُّهْنِ وَالنَّبِيذِ وَالدَّوَاءِ وَلَبَنِ الْبَهَائِمِ فَالْحُكْمُ لِلْغَالِبِ) ؛ فَإِنْ غَلَبَ اللَّبَنُ تَثْبُتُ الْحُرْمَةُ، وَإِلَّا فَلَا. (وَكَذَلِكَ إِنِ اخْتَلَطَ بِجِنْسِهِ بِأَنِ اخْتَلَطَ لَبَنُ امْرَأَتَيْنِ) . وَقَالَ مُحَمَّدٌ وَزُفَرُ: تَثْبُتُ الْحُرْمَةُ بِهِمَا؛ لِأَنَّ الشَّيْءَ لَا يَصِيرُ مُسْتَهْلَكًا بِجِنْسِهِ، بَلْ يَتَقَوَّى بِهِ. وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا سَبَبٌ لِإِنْبَاتِ اللَّحْمِ وَإِنْشَازِ الْعَظْمِ.
وَلَنَا: أَنَّ مَنْفَعَةَ الْمَغْلُوبِ لَا تَظْهَرُ فِي مُقَابَلَةِ الْغَالِبِ؛ فَإِنَّ قَلِيلَ الْمَاءِ إِذَا وَقَعَ فِي الْبَحْرِ لَا يَبْقَى لِأَجْزَائِهِ مَنْفَعَةٌ؛ لِكَثْرَةِ التَّفَرُّقِ، وَإِذَا فَاتَتِ الْمَنْفَعَةُ بِسَبَبِ الْغَلَبَةِ بَقِيَ حُكْمُ الرَّضَاعِ لِلْكَثِيرِ.
(وَإِنِ اخْتَلَطَ بِالطَّعَامِ فَلَا حُكْمَ لَهُ، وَإِنْ غَلَبَ) ، وَقَالَا: إِنْ غَلَبَ تَعَلَّقَ بِهِ التَّحْرِيمُ. وَالْخِلَافُ فِي غَيْرِ الْمَطْبُوخِ. أَمَّا الْمَطْبُوخُ لَا تَثْبُتُ بِهِ الْحُرْمَةُ بِالْإِجْمَاعِ. لَهُمَا: أَنَّ حُكْمَ الْمَغْلُوبِ لَا يَظْهَرُ فِي مُقَابَلَةِ الْغَالِبِ، فَصَارَ الْحُكْمُ لِلَّبَنِ. وَلَهُ: أَنَّ الطَّعَامَ يَسْلُبُ قُوَّةَ اللَّبَنِ، وَلَا يَكْتَفِي الصَّبِيُّ بِشُرْبِهِ. وَالتَّغَذِّي يَحْصُلُ بِالطَّعَامِ؛ إِذْ هُوَ الْأَصْلُ، فَكَانَ اللَّبَنُ تَبَعًا، بِخِلَافِ الدَّوَاءِ؛ لِأَنَّهُ يُقَوِّي اللَّبَنَ وَيَزِيدُ فِي قُوَّتِهِ.