فَإِنْ كَانَ الْقَذْفُ بِوَلَدٍ نَفَى الْقَاضِي نَسَبَهُ وَأَلْحَقَهُ بِأُمِّهِ، وَإِذَا قَالَ: حَمْلُكِ لَيْسَ مِنِّي فَلَا لِعَانَ (سم) .
ــ
[الاختيار لتعليل المختار]
نَفْسَهُ حَدَّهُ الْقَاضِي وَعَادَ خَاطِبًا، وَعِنْدَهُ لَا لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «الْمُتَلَاعِنَانِ لَا يَجْتَمِعَانَ أَبَدًا» ، وَلَنَا أَنَّهُ إِذَا أَكْذَبَ نَفْسَهُ لَمْ يَصِيرَا مُتَلَاعِنَيْنِ وَلَا يَبْقَى حُكْمُهُ، وَلِهَذَا وَجَبَ عَلَيْهِ الْحَدُّ بِالْإِكْذَابِ، وَلِأَنَّ اللِّعَانَ شَهَادَةٌ وَهِيَ تَبْطُلُ بِتَكْذِيبِ الشَّاهِدِ نَفْسَهُ فَلَمْ يَبْقَيَا مُتَلَاعِنَيْنِ لَا حَقِيقَةً وَلَا حُكْمًا فَلَمْ يَتَنَاوَلْهُمَا النَّصُّ.
قَالَ: (فَإِنْ كَانَ الْقَذْفُ بِوَلَدٍ نَفَى الْقَاضِي نَسَبَهُ وَأَلْحَقَهُ بِأُمِّهِ) لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - نَفَى وَلَدَ امْرَأَةِ هِلَالٍ وَأَلْحَقَهُ بِأُمِّهِ.
وَإِذَا قَذَفَ الْأَعْمَى امْرَأَتَهُ الْعَمْيَاءَ أَوِ الْفَاسِقُ امْرَأَتَهُ يَجِبُ اللِّعَانُ لِأَنَّهُمَا مِنْ أَهْلِ الشَّهَادَةِ، وَلَوْ كَانَ أَحَدُهُمَا أَخْرَسَ لَا حَدَّ وَلَا لِعَانَ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِ الشَّهَادَةِ، وَلَوْ خَرِسَ أَحَدُهُمَا أَوِ ارْتَدَّ أَوْ أَكْذَبَ نَفْسَهُ أَوْ قَذَفَ أَحَدُهُمَا إِنْسَانًا فَحُدَّ لِلْقَذْفِ، أَوْ وُطِئَتْ حَرَامًا بَعْدَ اللِّعَانِ قَبْلَ التَّفْرِيقِ بَطَلَ اللِّعَانُ وَلَا حَدَّ وَلَا تَفْرِيقَ، لِأَنَّ مَا مَنَعَ الْوُجُوبَ مَنَعَ الْإِمْضَاءَ لِوُجُودِ الشُّبْهَةِ، وَلَوْ وُطِئَتْ بِشُبْهَةٍ فَقَذَفَهَا زَوْجُهَا لَا لِعَانَ عَلَيْهِ وَلَا حَدَّ عَلَى قَاذِفِهَا. وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ رَجَعَ وَقَالَ: يَجِبُ اللِّعَانُ وَالْحَدُّ لِأَنَّهُ وَطْءٌ يَجِبُ فِيهِ الْمَهْرُ وَيَثْبُتُ النَّسَبُ. وَجْهُ الظَّاهِرِ أَنَّهُ وَطْءٌ فِي غَيْرِ مِلْكٍ فَأَشْبَهَ الزِّنَا وَصَارَ شُبْهَةً فِي إِسْقَاطِ الْحَدِّ عَنِ الْقَاذِفِ.
وَلَوْ قَذَفَهَا ثُمَّ وُطِئَتْ حَرَامًا لَا لِعَانَ بَيْنَهُمَا لِمَا بَيَّنَّا، وَلَوْ لَمْ يُفَرِّقِ الْحَاكِمُ بَيْنَهُمَا حَتَّى عُزِلَ أَوْ مَاتَ فَالْحَاكِمُ الثَّانِي يَسْتَقْبِلُ اللِّعَانَ بَيْنَهُمَا. وَقَالَ مُحَمَّدٌ: لَا يَسْتَقْبِلُ لِأَنَّ اللِّعَانَ قَائِمٌ مُقَامَ الْحَدِّ فَصَارَ كَإِقَامَةِ الْحَدِّ حَقِيقَةً، وَذَلِكَ لَا يُؤَثِّرُ فِيهِ عَزْلُ الْحَاكِمِ وَمَوْتُهُ. وَلَهُمَا أَنَّ تَمَامَ الْإِمْضَاءِ فِي التَّفْرِيقِ وَالْإِنْهَاءِ فَلَا يَتَنَاهَى قَبْلَهُ فَيَجِبُ الِاسْتِقْبَالُ، وَلَوْ طَلَّقَهَا بَعْدَ الْقَذْفِ ثَلَاثًا أَوْ بَائِنًا فَلَا حَدَّ وَلَا لِعَانَ، وَلَوْ كَانَ رَجْعِيًّا لَاعَنَ لِقِيَامِ الزَّوْجِيَّةِ، وَلَوْ تَزَوَّجَهَا بَعْدَ الطَّلَاقِ الْبَائِنِ فَلَا لِعَانَ وَلَا حَدَّ بِذَلِكَ الْقَذْفِ.
وَلَوْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا يَا زَانِيَةُ فَعَلَيْهِ الْحَدُّ دُونَ اللِّعَانِ لِأَنَّهُ قَذَفَ أَجْنَبِيَّةً، وَلَوْ قَالَ: يَا زَانِيَةُ أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا فَلَا حَدَّ وَلَا لِعَانَ، لِأَنَّهُ طَلَّقَهَا ثَلَاثًا بَعْدَ وُجُوبِ اللِّعَانِ فَسَقَطَ بِالْبَيْنُونَةِ، وَلَوْ قَذَفَ أَرْبَعَ نِسْوَةٍ لَاعَنَ مَعَ كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ، وَلَوْ قَذَفَ أَرْبَعَ أَجْنَبِيَّاتٍ حُدَّ لَهُنَّ حَدًّا وَاحِدًا، وَالْفَرْقُ أَنَّ الْمَقْصُودَ فِي الثَّانِيَةِ الزَّجْرُ، وَهُوَ يَحْصُلُ بِحَدٍّ وَاحِدٍ، أَمَّا الْأَوَّلُ فَالْمَقْصُودُ بِاللِّعَانِ دَفْعُ الْعَارِ عَنِ الْمَرْأَةِ وَإِبْطَالُ نِكَاحِهَا عَلَيْهِ وَذَلِكَ لَا يَحْصُلُ بِلِعَانٍ وَاحِدٍ.
قَالَ: (وَإِذَا قَالَ: لَيْسَ حَمْلُكِ مِنِّي فَلَا لِعَانَ) وَقَالَا: إِنْ وَلَدَتْ لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ مِنْ يَوْمِ الْقَذْفِ يَجِبُ اللِّعَانُ لِأَنَّا تَيَقَّنَّا بِقِيَامِ الْحَمْلِ يَوْمَئِذٍ، وَلَهُ أَنَّهُ يَوْمَئِذٍ لَمْ يَتَيَقَّنْ بِقِيَامِ الْحَمْلِ فَلَمْ يَصِرْ قَاذِفًا، وَإِذَا لَمْ يَكُنْ قَاذِفًا فِي الْحَالِ يَصِيرُ كَأَنَّهُ قَالَ: إِنْ كَانَ بِكِ حَمْلٌ فَلَيْسَ مِنِّي وَلَا يَثْبُتُ حُكْمُ الْقَذْفِ إِذَا كَانَ مُعَلَّقًا بِالشَّرْطِ، وَأَجْمَعُوا أَنَّهُ لَا يَنْتَفِي نَسَبُ الْحَمْلِ قَبْلَ الْوِلَادَةِ لِأَنَّهُ حُكْمٌ عَلَيْهِ وَلَا حُكْمَ عَلَى الْجَنِينِ قَبْلَ الْوِلَادَةِ كَالْإِرْثِ وَالْوَصِيَّةِ، وَلَوْ نَفَى وَلَدَ زَوْجَتِهِ الْحُرَّةِ فَصَدَّقَتْهُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute